وذهب بفطنته، وظنا بأخيه أنه قصر في خلافته، وفرط في كفّ القوم عن عبادة العجل، ومن حق الخليفة اتباع سيرة سلفه:{قالَ: يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاّ تَتَّبِعَنِ، أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي}[طه ٩٢/ ٢٠] أي أن تتبعني إلى جبل الطور.
ولقد كان موسى عليه السّلام معذورا فيما فعل فهو غضب للحق، فقد كان نبينا عليه الصلاة والسّلام لا يغضب لنفسه، فإذا انتهكت حرمات الله، كان أشد ما يكون غضبا لله.
فأجابه هارون قائلا: يا ابن أمي، لا تتعجل بلومي وتعنيفي واتهامي بالتقصير في واجبي نحو الله تعالى، فإني أنكرت عليهم، ونصحتهم، ولكن القوم استضعفوني فوجدوني فردا واحدا، ولم يلتفتوا إلى كلامي، بل قاربوا أن يقتلوني.
يا ابن أمي {فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ}، أي لا تفعل بي ما هو أمنيتهم من الاستهانة بي والإساءة إلى، ولا تجعلني في حنقك علي، وعقوبتك لي قرينا لهم وصاحبا، أو ولا تعتقد أني واحد من زمرة الظالمين لأنفسهم، يعني الذين عبدوا العجل، مع براءتي منهم ومن ظلمهم.
ولما اعتذر إليه أخوه واستعطف قلبه قال موسى:{رَبِّ اغْفِرْ لِي} ما قد فرط مني من قول أو فعل فيهما غلظة وجفوة لأخي، واغفر لأخي ما قد فرط أثناء خلافته عني، من مؤاخذة القوم على ما ارتكبوه من جرم وإثم، و {أَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ} الواسعة، فأنت أرحم الراحمين، أي اجعل رحمتك ملازمة لنا لا تفارقنا في الدنيا والآخرة.
دعا موسى بهذا الدعاء ليرضي أخاه، ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه، فلا يشمتون به.