للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير والبيان:

ما كنتم يا معشر اليهود المكذبين محمدا حاضرين حين احتضر يعقوب، فلا تكذبوا عليه، فإني ما أرسلت إبراهيم وبنيه إلا بالحنيفية وهي الإسلام، وبه أوصوا ذريتهم. والدليل أن يعقوب قال لبنيه: أي شيء تعبدون بعد موتي؟ فأجابوه: نعبد إلهك الله الواحد الذي دلت الأدلة على وجوده ووحدانيته، ولا نشرك به سواه. وهو إله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ونحن له منقادون خاضعون لحكمه. وجعلوا إسماعيل (وهو عمه) أبا، تشبيها له بالأب، وفي الحديث الصحيح عند الشيخين: «عم الرجل صنو أبيه».

ثم رد الله تعالى على اليهود أنهم نسل الأنبياء وحفدتهم، فلا يدخلون النار إلا أياما معدودات، بقوله: تلك أمة قد مضت بمالها وما عليها، وجرت سنة الله في عباده ألا يجزى أحد إلا بعمله، ولا يسأل عن عمل غيره، كما قال تعالى:

{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى، وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى، أَلاّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} [النجم ٣٦/ ٥٣ - ٣٩]

وقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم:

«يا بني هاشم، لا يأتيني الناس بأعمالهم، وتأتوني بأنسابكم». فكما أن هؤلاء السابقين لا ينفعهم إلا عملهم، كذلك أنتم لا ينفعكم إلا أعمالكم.

وبعد أن بين الله تعالى أن دين الله واحد على لسان النبيين جميعا، وأن على العرب وأهل الكتاب اتباع الإسلام الذي هو امتداد لدعوة الأنبياء السابقين، وأن الخلاف في الجزئيات لا يغيّر من جوهر الدين. بعد هذا ندد المولى سبحانه بتمسك أهل الكتاب بفوارق الدين الجزئية، فقال اليهود: كونوا مع اليهود في دينهم تهتدوا إلى الطريق السوي، وقال النصارى: كونوا مع النصارى تصلوا إلى الحق، وأتباع كل دين يدعون أن دينهم خير الأديان، فأجابهم الله بقوله:

تعالوا إلى ملة إبراهيم الذي تدّعون أنكم على دينه، فهي الملة التي لا انحراف فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>