ولا اعوجاج، ولم يكن إبراهيم ممن يشرك بالله سواه من وثن أو صنم. وفي هذا تعريض بشركهم حين قالوا: عزيز ابن الله، والمسيح ابن الله.
ثم أمر الله المؤمنين بأن يقولوا: آمنا بنبوة جميع الأنبياء والمرسلين مع الخضوع والطاعة رب العالمين، فهو مصدر الأديان كلها، فلا نكذب أحدا من الأنبياء، بل نصدقه جملة واحدة، ونؤمن بجوهر الدين وأصله الذي لا خلاف فيه، ونشهد أن جميع الأنبياء رسل الله بعثوا بالحق والهدى، فلا نفعل فعل اليهود الذين تبرؤوا من عيسى ومحمد عليهما السلام، ولا نفعل فعل النصارى الذين تبرؤوا من محمد صلّى الله عليه وسلم. ونحن خاضعون لله، مطيعون له، مذعنون له بالعبودية، وذلك هو الإيمان الصحيح، أما أنتم فتتبعون أهواءكم، فالمؤمن حقيقة: هو من يؤمن بكل الكتب والأنبياء، ولا يفرق بين أحد من الرسل، ويؤمن بكل ما جاء به الكتاب الإلهي، فلا يؤمن بالبعض، ويكفر بالبعض الآخر.
روى البخاري عن أبي هريرة أن أهل الكتاب كانوا يقرؤن والتوراة بالعبرية، ويفسرونها للمسلمين بالعربية، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلم:«لا تصدّقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله...» الآية (١).
وروى ابن أبي حاتم عن معقل مرفوعا إلى النَّبي صلّى الله عليه وسلم:«آمنوا بالتوراة والإنجيل، وليسعكم القرآن».
فإن آمن أهل الكتاب الإيمان الصحيح بالله كما آمنتم، فأقروا بوحدانية الله، وصدقوا بما أنزل على النبيين والمرسلين، فقد اهتدوا إلى الطريق المستقيم، وإن تولوا وأعرضوا عما تدعوهم إليه يا محمد من الرجوع إلى أصل الدين، وفرقوا بين رسل الله، فصدقوا ببعض، وكفروا ببعض، فإن موقفهم موقف الشقاق