{وَإِذْ أَخَذَ}: واذكر حين أخذ أي أخرج، وإنما عبّر به، لما فيه من الاصطفاء والانتقاء {مِنْ ظُهُورِهِمْ} جمع ظهر: وهو ما فيه العمود الفقري للإنسان {ذُرِّيَّتَهُمْ} سلالتهم ذكورا وإناثا، بأن أخرج بعضهم من صلب بعض، من صلب آدم، نسلا بعد نسل، كنحو ما يتوالدون كالذر {وَأَشْهَدَهُمْ} أخذ منهم شهادة على أنفسهم، والشهادة: إما قولية، كما قال:
{شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا}[الأنعام ١٣٠/ ٦] أو حالية، كما قال:{ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ، شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ}[التوبة ١٧/ ٩] أي حالهم شاهدة عليهم بذلك، لا قائلين.
{بَلى شَهِدْنا} أي بلى أنت ربنا، شهدنا بذلك {أَنْ تَقُولُوا} أي أن الإشهاد لئلا تقولوا أيها الكفار {عَنْ هذا} التوحيد {غافِلِينَ} لا نعرفه.
{وَكُنّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} أي فاقتدينا بهم؛ لأن التقليد عند قيام الدليل والتمكن من العلم به لا يصلح عذرا {أَفَتُهْلِكُنا} تعذبنا {بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} من آبائنا بتأسيس الشرك. المعنى:
لا يمكنهم الاحتجاج بذلك مع إشهادهم على أنفسهم بالتوحيد. والتذكير به على لسان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قائم مقام ذكره في النفوس.
{وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ} مثل ذلك البيان للميثاق نبينها، ليتدبروها {وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عن كفرهم أو عن التقليد واتباع الباطل.
المناسبة:
لما شرح الله تعالى قصة موسى عليه السلام مع توابعها، ذكر في هذه الآية ما هو حجة على جميع المكلفين. وبعد أن ذكر الميثاق الخاص على اليهود بقوله:
{وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ}[البقرة ٦٣/ ٢] وقوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ} ذكر هنا الميثاق العام الذي أخذه على بني آدم جميعا وهم في صلب آدم.
والمقصود من هذا الكلام هاهنا إلزام اليهود بمقتضى الميثاق العام بعد ما ألزمهم بالميثاق المخصوص بهم، والاحتجاج عليهم بالحجج النقلية والعقلية، ومنعهم عن التقليد، وحملهم على النظر والاستدلال.