أو ما سمعوا بأمر عيسى عليه السلام {مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ} أي لما تقدمه كالتوراة {يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ} من العقائد وهو الإسلام {وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ} طريقة سليمة من الشرائع.
{أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ} وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي يدعو إلى الإيمان بالله {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} يغفر بعض ذنوبكم وهو ما يكون خالص حق الله تعالى، فإن حقوق الناس ومظالم العباد لا تغفر بالإيمان، وإنما تسقط برضا أصحابها {وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ} أي يحمكم من عذاب مؤلم معدّ للكفار. قال البيضاوي: واحتج أبو حنيفة رضي الله عنه باقتصارهم على المغفرة والإجارة على أن لا ثواب لهم، والأظهر أنهم في توابع التكليف كبني آدم.
{فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ} أي لا يعجز الله بالهرب منه ولا يفوته {وَلَيْسَ لَهُ} لمن لا يجيب {مِنْ دُونِهِ} دون الله {أَوْلِياءُ} أنصار يدفعون عنه العذاب {أُولئِكَ} الذين لم يجيبوا {فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} خطأ بيّن ظاهر.
سبب نزول الآية (٢٩):
{وَإِذْ صَرَفْنا}: أخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: إن الجن هبطوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلما سمعوه، قالوا:
أنصتوا، وكانوا تسعة، أحدهم زوبعة، فأنزل الله تعالى:{وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ، فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا: أَنْصِتُوا} الآية، إلى قوله:
{فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}.
المناسبة:
بعد أن بيّن الله تعالى أن في الإنس من آمن، وفيهم من كفر، أردفه هنا ببيان أن الجن أيضا فيهم من آمن وفيهم من كفر، وأن مؤمنهم معرّض للثواب، وكافرهم معرّض للعقاب، وأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم مرسل إلى الإنس والجن معا.
والملائكة والجن عالمان غيبيان غير مرئيين، يجب أن يؤمن المسلم بهما، كما يجب أن يؤمن بأن النبي صلّى الله عليه وسلّم تلقى الوحي من طريق الملائكة، وأنه بلّغ رسالته إلى الجن فبشّرهم وأنذرهم، أما كيفية التلقي والتبليغ فغير معروفة لدينا إلا بطريق الأخبار الدينية السمعية النقلية، ولا مجال للعقل في ذلك.