والخلاصة: وصف المهاجرون الأولون بأربع صفات: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والهجرة، والجهاد، وأولية الإقدام على هذه الأفعال.
[وأما الصنف الثاني]
فهم المشار إليهم بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا} أي آووا الرسول والمهاجرين إليهم، ونصروهم، فكانت المدينة عاصمة الإسلام ومنطلق الدعوة في أرجاء الأرض، وملجأ المهاجرين الذين عملوا مع الأنصار على نصرة دين الله والقتال معهم، وشارك هؤلاء أولئك في أموالهم، وآثروهم على أنفسهم، فكانوا في الفضل بعد الصنف الأول.
ثم وصف الله الصنفين بأن بعضهم أولياء بعض، أي يتولي بعضهم أمر الآخر كما يتولي أمر نفسه، ويكون كل منهم أحق بالآخر من كل أحد؛ لأن حقوقهم ومصالحهم مشتركة، ولهذا آخى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار، كل اثنين أخوان، فكانوا يتوارثون بهذا الإخاء إرثا مقدما على القرابة، حتى تقوّى المهاجرون بالتجارة وغيرها، فنسخ الله تعالى ذلك بالمواريث، كما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس.
وروى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: «المهاجرون والأنصار بعضهم أولياء بعض، والطلقاء من قريش، والعتقاء من ثقيف، بعضهم أولياء بعض إلى يوم القيامة» لكن تفرد به أحمد.
فكان الإرث بين المهاجرين والأنصار بالإسلام والهجرة دون القرابة، فالمسلم في غير المدينة لا يرث المسلم الذي في المدينة وما حولها إلا إذا هاجر إليها، فيرث ممن بينه وبينه إخاء.
وهكذا فالولاية بين المهاجرين والأنصار عامة في الحرب والإرث وكل أوجه العلاقة بينهم وبين الكفار. وقال أبو بكر الأصم: الآية محكمة غير منسوخة، والمراد بالولاية: النصرة والمظاهرة.