لها من نهاية ووصول إلى تجرع مرارة الموت وهو القيامة الصغرى؛ لأن الموت أول منزلة من منازل الآخرة، فإذا لم يؤمن الكافر بأمر القيامة، لا يمكنه أن يتخلص من الموت، وتجرع آلامه، وتحمل آفاته.
ثم استدل الله تعالى لإثبات البعث بأمرين:
الأول-أن العدل يقضي بأنه لا بد من الجزاء على الأعمال، حتى لا يتساوى الطائع والعاصي، وذلك لا يكون إلا في الآخرة.
الثاني-أنه تعالى كما قدر على بدء الخلق، فهو قادر على الإعادة والبعث، بل إن الإعادة أهون في تقدير البشر.
التفسير والبيان:
{كَلاّ، إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ، وَقِيلَ: مَنْ راقٍ، وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ}{كَلاّ} إذا كانت رادعة، فالمعنى: لست يا ابن آدم هناك تكذب بما أخبرت به، بل صار ذلك عندك عيانا، وإذا كانت بمعنى حقا، فالمراد: حقا إذا انتزعت روحك من جسدك وبلغت تراقيك، والتراقي: جمع ترقوة، وهي العظام التي بين ثغرة النحر والعاتق. والضمير في {بَلَغَتِ} للنفس لدلالة قرينة الحال أو المقال، كما في قوله تعالى:{فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ}[الواقعة ٨٣/ ٥٦].
والظاهر المعنى الأول، قال الزجاج:{كَلاّ} ردع عن إيثار الدنيا على الآخرة، كأنه قيل: لما عرفتم صفة سعادة السعداء وشقاوة الأشقياء في الآخرة، وعرفتم أنه لا نسبة لها إلى الدنيا فارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة، وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي به تنتهي العاجلة، وتنتقلون إلى الآجلة دار الخلود.
وعلى هذا يكون المعنى العام: ارتدعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة،