للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير والبيان:

{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ، فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عاماً} أي تالله لقد أرسلنا نوحا عليه السلام، وهو أول نبي أرسل، إلى قومه الذين كانوا كفارا، لا يؤمنون بالله، وإنما يعبدون الأصنام، فاستمر مقيما معهم ألف سنة إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته، والإيمان بيوم القيامة، فلم يؤمنوا بدعوته، وكذبوه، وما آمن معه منهم إلا قليل: {قالَ: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاّ فِراراً} [نوح ٥/ ٧١ - ٦] {قالَ نُوحٌ: رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاّ خَساراً} [نوح ٢١/ ٧١].

{فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ، وَهُمْ ظالِمُونَ} أي بعد هذه المدة الطويلة، لم يفدهم البلاغ والإنذار، فأغرقهم الله بالطوفان، وهم ظالمون أنفسهم بالكفر، فأنت يا محمد لا تأسف على من كفر بك من قومك، ولا تحزن عليهم، فإن الأمر بيد الله تعالى، وإليه ترجع الأمور.

فإن نوحا لبث ألف سنة تقريبا في دعوة قومه إلى الإيمان بالله، ولم يؤمن من قومه إلا قليل، وصبر وما ضجر، فأنت أولى بالصبر. وكان الكفار يغترون بتأخير العذاب عنهم أكثر، ومع ذلك ما نجوا، فلا يغتروا فإن العذاب يلحقهم.

{فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ، وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ} أي فأنجينا نوحا والذين آمنوا معه بركوب السفينة التي أوحى الله إليه كيفية صنعها، ثم سارت في البحر، حتى استقرت على جبل الجودي، وغرق الكفار جميعا بطوفان الماء، وجعل ربك سفينة نوح تذكرة لنعمة الله على خلقه كيف أنجاهم من الطوفان، وعبرة وعظة يتأمل بها من يأتي بعدهم من الناس، كيف يعاقب الله من عصوا رسله وكذبوا بأنبيائه، كما قال تعالى: {إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>