{وَأَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي جعلنا الحديد في يده لينا يصنع به ما يشاء، من غير حاجة إلى نار ولا مطرقة، بل كان يفتله في يده مثل الخيوط، ليعمل به الدروع الكاملات الواسعات التي تقي من ويلات الحروب، وعلمه كيفية نسج الدروع بحيث تكون متناسبة الحلق، وعلى قدر الحاجة، فلا هي صغيرة ضيقة لا تحقق الهدف، ولا كبيرة ثقيلة على لابسها، فيعجز عن لبسها. ولا شك أن إلانة الحديد من غير نار ولا طرق معجزة لنبي الله داود، لا تنطبق على غيره. وكان داود عليه السلام أول من صنع الدروع، قال قتادة رحمه الله:«كانت الدروع قبله صفائح ثقالا» فلذلك أمر هو بالتقدير فيما يجمع بين الخفة والحصانة، أي قدّر ما تأخذ من هذين المعنيين بقسطه، أي لا تقصد الحصانة فتثقل، ولا الخفة فتزيل المنعة.
{وَاعْمَلُوا صالِحاً، إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي اعملوا يا آل داود عملا صالحا فيما أعطاكم الله تعالى من النعم؛ فإني مراقب لكم، بصير بأعمالكم وأقوالكم، لا يخفى عليّ شيء منها. وقوله:{إِنِّي بِما.}. تعليل للأمر.
وهذا تحريض على إصلاح العمل لشكر النعمة، والعمل الصالح يقوّم النفوس، ويصقل الروح، ويحصنها من المزالق والانحرافات.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على ما يأتي:
١ - لقد منح الله تعالى عبده المنيب ورسوله داود عليه السلام فضلا عظيما، فضّله به على سائر الأنبياء من قبله، من الجمع بين النبوة والملك والزبور والعلم والجنود وتسبيح الجبال والطيور مع تسبيحه، قال تعالى:{إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ}[ص ١٨/ ٣٨].