{يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ} الموجودين في زمان نبينا {أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي يخبرهم بأكثر نواحي الاختلاف كالتشبيه والتنزيه وأحوال الجنة والنار وعزير والمسيح {لَهُدىً} من الضلالة {وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} من العذاب وخص بالمؤمنين؛ لأنهم المنتفعون به {يَقْضِي بَيْنَهُمْ} يفصل بين بني إسرائيل كغيرهم يوم القيامة {بِحُكْمِهِ} بما هو حكمه الذي هو الحق والعدل {وَهُوَ الْعَزِيزُ} الغالب، فلا يرد قضاؤه {الْعَلِيمُ} بحقيقة ما يقضي فيه، فلا معقب لحكمه.
{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} ثق به، ولا تبال بمعاداتهم {إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} الدين البيّن، وصاحب الحق جدير بالثقة بنصر الله وحفظه، فإنه سينصرك على الكفار {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ} تعليل آخر للأمر بالتوكل، من حيث إنه يقطع الأمل بمتابعتهم ومعاضدتهم، فضرب أمثالا لهم بالموتى وبالصم وبالعمي، لعدم انتفاعهم باستماع ما يتلى عليهم، ولا برؤية ما يرشدهم إلى الإيمان {مُدْبِرِينَ} راجعين فارّين هاربين؛ لأن إسماعهم في هذه الحال أبعد.
{وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ} لأن الهداية لا تحصل إلا بالصبر {إِنْ تُسْمِعُ} أي ما يجدي إسماعك سماع فهم وقبول {إِلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا} يصدق بالقرآن {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} مخلصون بتوحيد الله.
المناسبة:
بعد أن أتمّ الله تعالى الكلام في إثبات المبدأ والمعاد بالأدلة الكونية، الحسية والعقلية، أعقب ذلك بإثبات النبوة بأدلة أعظمها القرآن الكريم المشتمل على المعجزات، وإذا كان معجزا دل على صدق محمد صلّى الله عليه وسلم فيما يدعيه.
التفسير والبيان:
إن الكتاب الذي أورد الأدلة على إثبات صفات الكمال لله تعالى، وإثبات البعث لإقامة العدل بين الخلائق بالثواب والعقاب، وهما أصلان للدين، هو هذا القرآن المتضمن وجوه الإعجاز التالية:
١ - الإخبار عن قصص الأنبياء المتقدمين:{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} أي إن هذا القرآن العزيز يخبر بني