إسرائيل، وهم حملة التوراة والإنجيل، بالحق في كثير من الأمور التي اختلفوا فيها، كاختلافهم في عيسى عليه السلام، فاليهود افتروا عليه، والنصارى غلوا في شأنه، فجاء القرآن بالقول الوسط الحق العدل: أنه عبد من عباد الله، ونبي من أنبيائه ورسله الكرام. وهذه الحقيقة وغيرها من القصص لا تعرف إلا بالوحي الإلهي من عند الله تعالى؛ لأن محمد صلّى الله عليه وسلم المنزل عليه القرآن كان أميا لا يقرأ لا يكتب، ولم يتتلمذ على أحد من العلماء للتعلم ومعرفة شؤون الثقافة، ولأن هذه القصص المذكورة في القرآن موافقة لما في التوراة والإنجيل.
{وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} أي إن هذا القرآن لهاد للمؤمنين إلى طريق الرشاد، ورحمة لهم في الأحكام التشريعية المتعلقة بالعقيدة، كالتوحيد والحشر والنبوة وصفات الله الحسنى، والمتعلقة بالأحكام العملية الملائمة لحاجات البشر وتحقيق مصالحهم في الدنيا والآخرة.
وهو أيضا هدى ورحمة للمؤمنين لبلوغه غاية الفصاحة والبلاغة حتى عجزت البشر عن معارضته، فدل على إعجازه، وخروجه عن طاقتهم، وأنه وحي منزل من إله حكيم حميد قدير. وخص المؤمنين في الآية؛ لأنهم المنتفعون به.
وبعد بيان خصائص إعجاز القرآن الدالة على صدق الرسالة النبوية أتبعه بذكر أمرين:
الأول-إقامة الدليل على عدل الله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} أي إن ربك الذي يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون يقضي بين المصيب والمخطئ منهم بحكمه العادل، وهو القوي القادر على الانتقام من المبطل منهم، ومكافأة المحسن منهم، فلا يرد قضاؤه، العليم بأفعال عباده وأقوالهم، فيقضي بالصواب المطابق للواقع؛ لأنه العليم بمن يقضي له وبمن يقضي عليه.