{وَإِذْ قالَ مُوسى} أي واذكر حين قال، وهو كلام مستأنف مقرر لما قبله من ذم التاركين للقتال والمخالفين أمر الرسول صلى الله عليه وسلّم. {يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي} بالعصيان ومخالفة أمري إذ تركتم القتال، ومن الأذى أيضا الرمي بالأدرة، أي بانتفاخ الخصية، وهو كذب وافتراء. {وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ} بما جئتكم من المعجزات، وفائدة {قَدْ} تأكيد العلم، لا تقليله، كأنه قال:
وتعلمون علما يقينيا لا شبهة لكم فيه، وفيه إشارة إلى نهاية جهلهم، إذ عكسوا القضية، وصنعوا مكان تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلّم إيذاءه. {زاغُوا} مالوا عن الحق والهدى الذي جاء به موسى بإيذائه.
{أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} أمالها عن الهدى وصرفها عن قبول الحق والميل إلى الصواب. {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ} لا يوفق إلى معرفة الحق أو إلى الجنة القوم الكافرين الخارجين عن الطاعة.
{وَإِذْ قالَ عِيسَى} أي واذكر. {يا بَنِي إِسْرائِيلَ} لم يقل: يا قوم، لأنه لم يكن له فيهم قرابة. {لِما بَيْنَ يَدَيَّ} لما تقدمني أو قبلي من الكتب كالتوراة والزبور. {أَحْمَدُ} من أسماء النبي صلى الله عليه وسلّم، أي أحمد الناس لربه. {فَلَمّا جاءَهُمْ} جاء أحمد الناس الكفار. {بِالْبَيِّناتِ} الأدلة والعلامات والمعجزات. {قالُوا: هذا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي قالوا: هذا المجيء به سحر بيّن. {وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} الكافرين، أي لا يرشدهم إلى ما فيه فلاحهم.
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا} أي يريدون أن يطفئوا، واللام مزيدة لما فيها من معنى الإرادة تأكيدا. {نُورَ اللهِ} شرعه ودينه أو كتابه والحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم. {بِأَفْواهِهِمْ} بأقوالهم: إنه سحر وشعر وكهانة. {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ} مظهر دينه وناشره في الآفاق. {وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ} ذلك الانتشار الشامل لدعوة الإسلام إرغاما لهم.
{بِالْهُدى} بالقرآن أو المعجزة. {وَدِينِ الْحَقِّ} الملة الحنيفية. {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} ليعليه على جميع الأديان. {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} لما فيه من الدعوة إلى التوحيد المحض، وإبطال الشرك.
سبب النزول:
نزول الآية (٨):
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا.}.: حكى الماوردي عن عطاء عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلّم أبطأ عليه الوحي أربعين يوما، فقال كعب بن الأشرف: يا معشر اليهود، أبشروا! فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان ليتمّ أمره،