{فِي بُطُونِهِمْ}: ظرف في موضع الحال، وتقديره: ما يأكلون إلا النار ثابتة في بطونهم، كقوله تعالى:{إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً} تقديره: يأكلون نارا كائنة في بطونهم. والأصل أن {فِي بُطُونِهِمْ} صفة لنار، لكن إذا قدمت صفة النكرة انتصبت على الحال. {فَما أَصْبَرَهُمْ} ما:
إما تعجيبة وتقديره: شيء أصبرهم، أو استفهامية، وتقديره: أي شيء أصبرهم؟ وعلى كلا الوجهين: هي مبتدأ، وما بعدها خبر.
البلاغة:
{ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ} مجاز مرسل باعتبار ما يؤول إليه، أي إنما يأكلون المال الحرام الذي يؤدي بهم إلى النار. وقوله {فِي بُطُونِهِمْ} زيادة تشنيع وتقبيح لحالهم.
{يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}: يبيعونه بثمن قليل من الدنيا يأخذونه بدله من أتباعهم، فلا يظهرونه خوف فوته عليهم {وَلا يُكَلِّمُهُمُ} غضبا عليهم. {وَلا يُزَكِّيهِمْ} يطهرهم من دنس الذنوب {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} مؤلم هو النار. {الضَّلالَةَ} هي العماية التي لا يهتدي فيها الإنسان لمقصده. {بِالْهُدى} الشرائع التي أنزلها الله على لسان أنبيائه {فَما أَصْبَرَهُمْ} أي ما أشد صبرهم وهو تعجب للمؤمنين من ارتكابهم موجبات النار، من غير مبالاة.
{ذلِكَ} الذي ذكر من أكلهم النار وما بعده {بِأَنَّ} بسبب أن {اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} متعلق بنزل، فاختلفوا فيه، حيث آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه بكتمه. {شِقاقٍ} مخالفة أو خلاف وهو العداء والتنازع وهو أثر الاختلاف {بَعِيدٍ} مبتعد عن الحق.
سبب نزول الآية (١٧٤):
أخرج الطبري عن عكرمة عن ابن عباس في قوله:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ} والتي في آل عمران: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ} نزلتا جميعا في يهود. وقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رؤساء اليهود وعلمائهم، كانوا يصيبون من سفلتهم الهدايا والفضل، وكانوا يرجون أن يكون