للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لبيانه استماع تدبر وتفكر {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ} أي تعبدون غيره وهم الأصنام {ذُباباً} اسم جنس، يقع على المذكر والمؤنث، واحده: ذبابة وجمعه أذبّة وذبّان، مثل غراب وأغربة وغربان، وسمي به لكثرة حركته. وقوله: {لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً} أي لا يقدرون على خلقه مع صغره؛ لأن لن بما فيها من تأكيد النفي دالة على المنافاة بين المنفي والمنفي عنه {وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} أي لخلقه، أي لا يقدرون على خلقه مجتمعين له متعاونين عليه، فكيف إذا كانوا منفردين؟!.

{وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً} من الطيب والزعفران الملطخين به {لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} لا يستردوه منه لعجزهم، فكيف يعبدون شركاء لله تعالى؟ هذا أمر مستغرب، عبر عنه بضرب المثل {ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} العابد والمعبود.

{ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} ما عظموه حق عظمته، إذ أشركوا به العاجز عن دفع الذباب عنه والانتصاف منه {لَقَوِيٌّ} قادر على خلق الممكنات بأسرها {عَزِيزٌ} غالب {يَصْطَفِي} يختار {إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي إن الله سميع لمقالتهم، مدرك للأشياء كلها، بصير بمن يتخذه رسولا كجبريل وميكائيل وإبراهيم ومحمد وغيرهم عليهم السلام. {يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ} أي ما قدموا وما أخروا وما عملوا وما هم عاملون بعد {وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} أي إليه مرجع الأمور كلها؛ لأنه مالكها بالذات، لا يسأل عما يفعل من اصطفاء الرسل وغيره، وهم يسألون.

المناسبة:

بعد أن أبان الله تعالى أنه العليم بكل شيء، بيّن أن عبادة المشركين لغير الله تعالى لا تعتمد على دليل نقلي أو عقلي، وهم مع جهلهم وغباوتهم إذا أرشدوا إلى الحق ودليله، وتلي عليهم القرآن، ظهر في وجوههم الغيظ‍ والغضب، وهموا أن يبطشوا بمن يتلو ويذكّرهم، ولكن ما ينالهم من النار أعظم مما يحصل لهم من الغم حين تلاوة الآيات.

ولما بين أنهم يعبدون من دون الله مالا حجة لهم فيه ولا علم، ذكر ما يدل على إبطال قولهم وجهلهم بعظمة الإله، ثم انتقل من الإلهيات إلى النبوات، وأبان أنه يختار الرسل من الملائكة والناس ممن يعلم أنه الأكفاء والأوفق: {اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ} [الأنعام ١٢٤/ ٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>