{إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ} أي ما حسابهم على بواطنهم إلا على الله، فإنه المطلع عليها، لو تعلمون ذلك، ولكنكم تجهلون، فتقولون ما لا تعلمون. {إِنْ أَنَا إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي ما أنا إلا بيّن الإنذار، وهذا كالعلة لما سبق، فما أنا إلا رجل مبعوث لإنذار المكلفين عن الكفر والمعاصي، سواء كانوا أعزاء أو أذلاء، فكيف يليق بي طرد الفقراء لاستتباع الأغنياء؟! {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ} عما تقول لنا. {مِنَ الْمَرْجُومِينَ} المقتولين أو المضروبين بالحجارة، أو من المشتومين. {قالَ: رَبِّ، إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ} قال نوح ذلك، إظهارا لسبب الدعاء عليهم وهو تكذيب الحق. {فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً} أي فاحكم بيني وبينهم حكما. {وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي نجني من شؤم عملهم. {الْفُلْكِ} يطلق على الواحد والجمع. {الْمَشْحُونِ} المملوء بالناس والحيوان. {ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ} أي بعد إنجائهم. {الْباقِينَ} من قومه. {لَآيَةً} عبرة شاعت وتواترت.
المناسبة:
لما قص الله تعالى على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلم قصة موسى وإبراهيم، أتبعه بذكر قصة أبي البشر الثاني نوح عليه السلام، ثم خبر هود، وصالح، ولوط وشعيب فيما يأتي بعد، والهدف من كل ذلك واحد، وهو تسلية رسوله فيما يلقاه من قومه، وبيان لسنة الله في عقاب المكذبين، فإن أقوام هؤلاء جميعا كذبوا رسلهم، فعوقبوا، وقومك يا محمد كمن سبقهم، فلا تجزع ولا تحزن ولا تغتم. وقد تقدم تفصيل نبأ نوح في سورتي الأعراف وهود.
التفسير والبيان:
هذا قصص نوح عليه السلام مع قومه، فهو أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد أن عبدت الأصنام والأنداد، فنهاهم عن ذلك وحذرهم من وبيل عقاب ربهم، ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين، فكذبه قومه، واستمروا على ما هم عليه من الوثنية، ونزّل الله تكذيبهم له منزلة تكذيب جميع المرسلين، فقال:
{كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ: أَلا تَتَّقُونَ؟} أي كذب قوم نوح رسل الله أي نوحا نفسه فيما جاءهم به من الهداية لتوحيد الله