{فَانْطَلَقا} بعد خروجهما من السفينة يمشيان {حَتّى إِذا لَقِيا غُلاماً} لم يبلغ الحنث، يلعب مع الصبيان، وكان أحسنهم وجها {فَقَتَلَهُ} الخضر، إما بالذبح بالسكين، أو باقتلاع رأسه بيده بفتل عنقه، أو الضرب برأسه الحائط، أقوال مروية. وأتى بالفاء العاطفة هنا للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير تروّ واستكشاف حال {قالَ: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ}؟ أي قال موسى مستنكرا-وهو جواب إذا-كيف تقتل نفسا طاهرة من الذنوب، لم تبلغ حد التكليف، وقرئ {زَكِيَّةً، بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي بغير حق من قصاص لك عليها {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} أي لقد ارتكبت شيئا منكرا، والمنكر: الذي تنكره العقول والنفوس.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله قصة أصحاب الكهف لإثبات قدرته على البعث، وذكر أمثلة ثلاثة لتقرير حقيقة أن الحق والعزة والعلو لا ترتبط بكثرة المال والسلطان، وإنما بالعقيدة والإيمان، ليدرك تلك الحقيقة المشركون الذين افتخروا على فقراء المؤمنين، وأبوا مجالستهم، بعد هذا أردف الله تعالى بقصة ثانية هي قصة موسى مع الخضر، ليتعلم منه العلم، وذلك ليفهم المشركون أن موسى النبي كليم الله مع كثرة علمه وعمله، أمر أن يتعلم من العبد الصالح الخضر، مما يدل على أن التواضع خير من الكبر.
قصة موسى والخضر في السنة النبوية:
روى البخاري ومسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال: «إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل، أي الناس أعلم؟ فقال:
أنا، فعتب الله عز وجل عليه، إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ، فكيف لي به؟ قال:
تأخذ حوتا، فتجعله في مكتل (قفة) فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ، فانطلق موسى، ومعه فتاه-يوشع بن نون-حتى إذا أتيا الصخرة، وضعا رؤوسهما، فناما واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه، فسقط في البحر {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً}.