ولو شاء تعالى أن يهديكم وغيركم وجميع الناس بغير التعليم والإرشاد والنظر والاستدلال، لفعل، فجعلكم تؤمنون بالفطرة كالملائكة، فلا يكون لكم دور في الاختيار، والإرادة، والتمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، ويكون موقف مخالفيكم أيضا بمشيئة الله، فلا يصح أن تعادوهم، وعليكم أن توافقوهم ولا تخالفوهم؛ لأن المشيئة تجمع بين ما أنتم عليه وبين ما هم عليه.
ثم أمر الله رسوله بمطالبة المشركين بأن يأتوا بشهود يشهدون على صحة ما يدعونه من تحريم الله هذه المحرمات، فقال:{قُلْ: هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ..}. أي أحضروا شهداءكم الذين يشهدون لكم عن عيان أن الله حرم عليكم هذا الذي زعمتم تحريمه وكذبتم وافتريتم على الله فيه.
فإن شهدوا على سبيل الفرض، فلا تصدقهم، ولا تسلم لهم، ولا تقبل لهم شهادة؛ إذ لو سلم لهم، فكأنه شهد معهم مثل شهادتهم، وكان واحدا منهم، لأنهم إنما يشهدون والحالة هذه كذبا وزورا، فهم شهود زور كاذبون. ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآيات الله الدالة على وحدانيته وربوبيته ومنها حقه في التشريع والتحليل والتحريم، ولا تتبع هؤلاء الجاهلين المتبعين لأهوائهم الذين لا يوقنون بمجيء الآخرة، حتى يحملهم الإيمان على سماع الدليل إذا ذكر لهم، وهم يشركون بربهم، ويجعلون له عديلا يشاركه في جلب الخير ودفع الضر، والحساب والجزاء.