١ - إن اعتذار الكافرين عن كفرهم بما يشبه قول الجبرية: لو شاء الله منا ألا نشرك لم نشرك اعتذار مرفوض لم يقبله الله تعالى؛ لأنه سبحانه أعطاهم عقولا كاملة، وأفهاما وافية، وأقدرهم على الخير والشر، وأزال الموانع بالكلية عنهم، فإن شاؤوا عملوا الخيرات، وإن شاؤوا عملوا المعاصي والمنكرات.
وقد أعانهم الله على حسن الاختيار بإنزاله الكتب، وإرساله الرسل والأنبياء، وإرشاده إلى التوحيد لله بالنظر في المخلوقات، وتأييده الرسل بالمعجزات، وتلك هي الحجة البالغة على أن الله واحد لا شريك له.
فأما علم الله تعالى وإرادته وكلامه فغيب لا يطلع عليه الإنسان إلا من ارتضى من رسول.
ويكفي في التكليف أن يكون العبد بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به لأمكنه، ولا مانع يمنعه، فهو مستطيع الإيمان، قادر على نبذ الكفر.
ولو كان الإنسان مجبرا على الكفر والمعصية كالريشة في مهب الرياح كما يزعم الجبرية، لما اقتضى العدل الإلهي تكليفه بشيء، وإثابته وعقابه في الآخرة.
وقد تبين بهذا بطلان شبهات الكافرين، ودحض حججهم أمام الحجج الإلهية القاطعة. فإن شهد بعضهم لبعض على صحة ما يقولون، فلا تصدق شهادتهم إلا من كتاب إلهي أو على لسان نبي، وليس معهم شيء من ذلك، وما هم إلا شهود كاذبون مبطلون فيما يخبرون.
والمطلوب الإتيان بشهود الحق لا شهود الزور والباطل، فإن قيل: كيف أمر الله نبيه باستحضار شهدائهم الذين يشهدون أن الله حرم ما زعموه محرما، ثم أمره بأن لا يشهد معهم؟ أجيب: أمره باستحضارهم، وهم شهداء بالباطل، ليلزمهم الحجة، ويظهر زيف شهادتهم، فيحق الحق، ويبطل الباطل.