وبعد أن أجاب تعالى عن شبهة اليهود، وفنّد حجتهم، وبيّن فساد طريقتهم، خاطب جميع الناس خطابا يأمرهم فيه الانصياع لدعوة محمد صلّى الله عليه وسلّم، والإيمان برسالته.
فهذا الرسول قد جاءكم بالهدى ودين الحق والبيان الشافي من الله عز وجل، فآمنوا بما جاءكم به واتبعوه، يكن الإيمان خيرا لكم؛ لأنه يزكيكم ويطهركم من الأدناس والأرجاس، ويرشدكم لما فيه السعادة في الدنيا والآخرة، والحق الذي أتى به من ربه: هو القرآن المعجز، والدعوة إلى عبادة الله والإعراض عن غيره.
ثم هدد الحق تعالى وأنذر أنه إن تكفروا فإن الله غني عنكم وعن إيمانكم وقادر على عقابكم، ولا يتضرر بكفرانكم، فإن له جميع ما في السموات والأرض ملكا وخلقا وعبيدا، أي جميع ما في الكون مملوك لله، وهو الذي خلقهم، وكلهم عبيد له خاضعون لحكمه، كما قال تعالى:{وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}[إبراهيم ٨/ ١٤] وقال هاهنا: {وَكانَ اللهُ عَلِيماً} بمن يستحق منكم الهداية فيهديه، وبمن يستحق الغواية فيغويه ولا يخفى عليه شيء من أعمال عباده {حَكِيماً} في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره، ولا يضيع عمل عامل منهم، ولا يسوي بين المؤمن والكافر والمسيء والمحسن، لقوله تعالى:{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ}[ص ٢٨/ ٣٨].
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١ - اليهود وغيرهم ممن كفر بالإسلام بعيدون عن الحق والصواب جدا؛ لأنهم كفروا بالله وبرسوله وبالقرآن، ومع ذلك منعوا الناس من الإسلام.