{وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي، ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} أي إن ما فعلته من الأمور الثلاثة لم يكن باجتهادي ورأيي، ولكنه بأمر الله وإلهامه ووحيه، فالإقدام على ذلك كله من الاعتداء على المال والنفس وإصلاح الجدار، وهو لا يكون إلا بالوحي والنص القاطع.
وذلك المذكور هو تفسير ما ضاق صبرك عنه، ولم تطق السكوت عنه، ولم تصبر حتى أبيّن لك السبب والحكمة فيه.
فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١ - إن الأحداث الثلاثة التي فعلها الخضر كانت من قبيل اختيار أهون الشرين، وأخف الضررين، وتحمل الضرر الأدنى لدفع الضرر الأعلى، وهو معنى قوله تعالى:{رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ}، فهي وإن كانت مستنكرة في الظاهر، وحقّ لموسى عليه السلام إنكارها والاعتراض عليها، فهي خير في الحقيقة والواقع، وذلك لا يتسنى لأحد ادعاؤه بغير وحي صريح، وأحكام العالم والنبي في غير حال الوحي تنبني على ظواهر الأمور، وفي حال الوحي تنبني على الأسباب الحقيقية الواقعية.
والوحي لا يحصل إلا لنبي أو رسول، والجمهور كما تقدم على أن الخضر كان نبيا؛ لأن قوله تعالى:{فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا} يدل على نبوته؛ لأن بواطن الأفعال لا تكون إلا بوحي؛ ولأن الإنسان لا يتعلم ولا يتّبع إلا من فوقه، وليس فوق النبي من ليس بنبي.
ويرى آخرون أن الخضر لم يكن نبيا، وقد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل. قال بعض العلماء: ولا يجوز أن يقال: كان نبيا؛ لأن إثبات النبوة