وأسكنه في الأرض، ثم أخرج منها عيونا متدفقة بالماء، ثم تسقى به الأرض، فيخرج بذلك الماء من الأرض زرعا مختلفا أنواعه، كبّر وشعير وخضار وغيرهما، ومختلفا ألوانه، من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر وغيرها من الألوان البديعة الأخاذة.
ثم ييبس ويجف، فتراه مصفرا بعد خضرته ونضارته، ثم يصير متفتتا متكسرا، وإنّ فيما تقدم ذكره من إنزال المطر وإخراج الزرع به موعظة ينتفع بها أهل العقول الصحيحة، وتذكرة وتنبيها على حكمة فاعل ذلك وقدرته.
فهؤلاء يعلمون بأن حال الحياة الدنيا كحال هذا الزرع في سرعة الزوال والانقطاع، وذهاب بهجتها، وتلاشي رونقها ونضارتها، ولم يبق لديهم شك في أن الله قادر على البعث والحشر.
هذه الآية تدل على قدرة الله في إحياء الخلق، والتمييز بين المؤمن والكافر، فهو قادر على ذلك، كما أنه قادر على إنزال الماء من السماء، أي إنزال المطر من السحاب.
وهي أيضا ترغب في الآخرة لخلودها، وتنفر من الدنيا لتوقيتها وقصر مدتها وسرعة زوالها وانقضائها.
فهذه الدنيا الفانية متاعها زائل، وزخرفها باهت، وهي متحولة متغيرة لا تبقى على حال واحدة، ونهايتها محتومة، كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها