للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى الله. {وَآتَيْناهُ} فيه التفات عن الغيبة. {حَسَنَةً} هي الثناء الحسن ومحبة أهل الأديان جميعا له. {لَمِنَ الصّالِحِينَ} الذين لهم الدرجات العلى، من أهل الجنة، كما سأله بقوله:

{وَأَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ}.

{ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} يا محمد، و {ثُمَّ}: إما لتعظيمه والتنبيه على أن أجل ما أوتي إبراهيم اتباع الرسول صلّى الله عليه وسلّم ملته، أو لتراخي أيامه. {أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً} أن اتبع دين إبراهيم في التوحيد والدعوة إليه بالرفق، وإيراد الدلائل مرة بعد أخرى، والمجادلة مع كل أحد على حسب فهمه. {وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} بل كان قدوة الموحدين. وكرر ردا على زعم اليهود والنصارى أنهم كانوا على دينه.

{إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ} فرض تعظيمه، والتخلي فيه للعبادة، وترك الصيد فيه. {عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} أي على نبيهم، وهم اليهود، أمرهم موسى عليه السلام أن يتفرغوا للعبادة يوم الجمعة، فقالوا: لا نريده، وإنما نريد يوم السبت؛ لأنه تعالى فرغ فيه من خلق السموات والأرض، فشدّد الله عليهم، وألزمهم السبت. وقيل: معناه إنما جعل وبال السبت وهو المسخ على الذين اختلفوا فيه، فأحلوا الصيد فيه تارة، وحرموه أخرى، واحتالوا له الحيل. وذكر ذلك هنا لتهديد المشركين كذكر القرية التي كفرت بأنعم الله. {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} بالمجازاة على الاختلاف، أو بمجازاة كل فريق من الآبين السبت والمعظمين له بما يستحقه، من إثابة الطائع، وتعذيب العاصي بانتهاك حرمته.

المناسبة:

بعد أن أبطل الله تعالى مذاهب المشركين من إثبات الشركاء لله، والطعن في نبوة الأنبياء والرسل عليهم السلام، وتحليل أشياء حرمها الله وتحريم أشياء أباحها الله، وكانوا مفتخرين بجدهم إبراهيم عليه السلام، مقرين بحسن طريقته ووجوب الاقتداء به، بعد إبطال ذلك كله، ختم تعالى هذه السورة بذكر إبراهيم رئيس الموحدين، وقدرة الأصوليين، ليتأسوا به إن كانوا صادقين في اتباع ملته، ولحمل المشركين على الإقرار بالتوحيد، والرجوع عن الشرك، والاقتداء به لاتصافه بصفات تسع.

وبعد وصف إبراهيم بهذه الصفات العالية، أمر الله نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم باتباع ملة إبراهيم-ملة التوحيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>