النسل، إرضاء لنزعات نفسه الأمّارة بالسوء، وانقيادا لأهوائه وشهواته، وإيثارا لمقاصده الدنيوية الحقيرة، والله سبحانه لا يرضى بالفساد ولا يحبه، ولا يحب المفسدين، ولا ينظر إلى الصور والأقوال، وإنما ينظر إلى القلوب والأعمال.
وإذا نصحه إنسان، فقال له: اتّق الله، حملته الحمية الجاهلية، والعزّة الشيطانية على ارتكاب الإثم والحرام، لأنه ينفر من الصلاح والمصلحين، فيكفيه عذاب جهنم، فهي مأواه ومهاده، ولبئس المهاد مهاده، بسبب سوء عمله في الدنيا، وسوء خداعه وحاله ولحنه في كلامه، قال الله تعالى:{وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ، وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ}[محمد ٣٠/ ٤٧].
وأما الصنف الثاني: فهو فريق يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله، فتراه يجاهد في سبيل الله لإقرار الحق والعدل، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتحرى صالح الأعمال وقول الحق، مع الصدق والإخلاص فيهما، وليس له لسانان أو وجهان، ولا يؤثر عرض الدنيا على ما عند ربه من حسن الجزاء، والله رءوف بالناس، فيجزيهم بالنعيم الدائم على العمل القليل، ولا يكلفهم فوق الطاقة، وينشر عليهم واسع رحمته وإحسانه وكرمه، ولولا ذلك لغلب شرّ أولئك المفسدين في الأرض، حتى لا يبقى فيها صلاح:{وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة ٢٥١/ ٢].
فقه الحياة أو الأحكام:
قال علماء المالكية: في هذه الآية دليل وتنبيه على الاحتياط في أمور الدين والدنيا، واستبراء أحوال الشهود والقضاة، وأن الحاكم لا يعمل على ظاهر أحوال الناس وما يبدو من إيمانهم وصلاحهم، حتى يبحث عن باطنهم، لأن الله تعالى بيّن أحوال الناس، وأن منهم من يظهر قولا جميلا، وهو ينوي قبيحا.