للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنسان قد يكون شديد الحاجة، وكانت التجارة مظنة الحظر، فدفعا لذلك التوهم أباح الله تعالى الاتّجار في أثناء الحج، لأن ذلك سعي من أجل الرزق، والرزق أو الكسب فضل من الله غير محظور، لأنه لا ينافي الإخلاص في هذه العبادة، فلا مانع من انضمام قصد الاتّجار إلى الحج، وإنما الممنوع هو قصد التجارة فحسب. وقد تحرج المسلمون من التجارة في بادئ الأمر، خشية التأثير على العبادة، كما بيّنا في سبب النزول، فكانوا يقفلون حوانيتهم، فأعلمهم الله أن الكسب فضل من الله لا إثم فيه مع إخلاص العبادة.

التفسير والبيان:

لا إثم عليكم في طلب الرزق الحلال أثناء الحج من طريق البيع والشراء والكراء إذا لم يكن هو المقصود الأساسي بالذات، وإنما يجوز أن يكون تبعا للعبادة، إذ هو مع حسن المقصد عبادة أيضا، ولكن التفرغ لأداء المناسك أفضل وأكمل، لقوله تعالى: {وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة ٥/ ٩٨].

ويشترط‍ أيضا لإباحة التجارة في الحج: ألا يترتب عليها نقصان في الطاعة، ولا تشغله عن أعمال الحج، لذا أمر الله تعالى بذكره بعد الوقوف بعرفات الذي هو أهم أركان الحج

للحديث النّبوي: «الحج عرفة» (١)، وبعد الإفاضة من عرفات: أي الاندفاع في السير بكثرة، فعلى الحاج إذا دفع إلى المزدلفة وبات فيها أن يذكر الله عند المشعر الحرام بالتلبية والتهليل والدعاء والحمد والثناء، وإنما طلب منه الذكر خشية أن يتركه في هذا الموضع المبارك. والمشعر الحرام: هو الجبل الذي يقف عليه الإمام،

فقد روي: «عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم لما صلّى الفجر بالمزدلفة، ركب ناقته، حتى أتى المشعر الحرام، فدعا وكبّر، وهلل، ولم


(١) رواه أحمد وأصحاب السنن الأربعة والحاكم والبيهقي عن عبد الرحمن بن يعمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>