دلت الآية على التفضيل بين الأنبياء في زيادة الأحوال والخصوصيات والكرامات والألطاف الإلهية والمعجزات المتباينات. أما النبوة في نفسها فلا تتفاضل، فكلهم في النبوة والتبليغ ووحدة الهدف والغاية سواء، وإنما تتفاضل بأمور أخر زائدة عليها، ولذلك منهم رسل وأولو عزم، ومنهم من اتخذ خليل الله، ومنهم من كلم الله، ورفع بعضهم درجات. والرسل أفضل من الأنبياء، فمن أرسل بشرع وأمر بتبليغه أفضل ممن لم يؤمر بالتبليغ، وأولو العزم من الرسل وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام أفضل من بقية الرسل. ومحمد صلّى الله عليه وسلّم أفضل الأنبياء والمرسلين على الإطلاق، لأن رسالته عامة للناس جميعا، وللإنس والجن أيضا، قال تعالى:{وَما أَرْسَلْناكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنّاسِ}[سبأ ٢٨/ ٣٤] ولأن رسالته توجهت بالقرآن المجيد الذي هو شرع الله الدائم والذي ختمت به الشرائع، والمتكفل بحفظه إلى يوم القيامة، ولغير ذلك من الأسباب التي ذكرناها سابقا، لذا قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}[الأحزاب ٧/ ٣٣] فعمّ ثم خص وبدأ بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم-
فيما رواه مسلم وأبو داود عن أبي هريرة-: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة». وأما
قوله عليه السلام:«لا تخيروني على موسى» أو «لا يقل أحد أنا خير من يونس بن متى» فهو على معنى التواضع.
وهذا القول ينطبق على الصحابة رضوان الله عليهم، اشتركوا في الصحبة، ثم تباينوا في الفضائل بما منحهم الله من المواهب والخصائص، فهم متفاضلون بالمآثر، مع أن الكل شملتهم الصحبة والعدالة والثناء عليهم، ويشير القرآن إلى ذلك بقوله تعالى: