{بَلْ كَذَّبُوا بِالسّاعَةِ} القيامة، والمعنى: ليس ما ذكروه من الشبهة في وصف الرسول صلّى الله عليه وسلم بما زعموا من الأوصاف الخمسة أو الستة يصلح أن يكون شبهة ذات بال أو أهمية، بل الذي حملهم على تقولهم وافترائهم تكذيبهم بالساعة، وبما فيها من ثواب وعقاب؛ لان من يخاف الآخرة ينظر ويفكر، ولا يتورط بالتكذيب والافتراء {وَأَعْتَدْنا} هيأنا. {سَعِيراً} نارا مسعّرة شديدة الاشتعال. {رَأَتْهُمْ} إذا كانت بمرأى منهم،
كقوله صلّى الله عليه وسلم عن المسلمين والمشركين فيما رواه أبو داود والترمذي والنسائي عن جرير:«لا تتراءى ناراهما» أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى عن الأخرى، على سبيل المجاز. {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} هو أقصى ما يمكن أن يرى منه. {سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} أي سمعوا لها صوت تغيظ وزفير، والتغيظ: شدة الغضب، والزفير: هو النّفس الخارج من الإنسان، ضد الشهيق.
{مِنْها مَكاناً} أي في مكان، ومنها: بيان تقدم، فصار حالا. {ضَيِّقاً} بأن يضيق عليهم، ووصف بالضيق لزيادة العذاب، فإن الكرب مع الضيق، والانشراح مع السعة، ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض {مُقَرَّنِينَ} مصفدين، قد قرنت (جمعت) أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال والسلاسل. {هُنالِكَ} في ذلك المكان. {ثُبُوراً} أي هلاكا، والمعنى:
أنهم يتمنون الهلاك ويطلبونه قائلين: يا ثبوراه تعال. فهذا حينك. {وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} أي اطلبوا أنواعا من الهلاك؛ لأن عذابكم أنواع كثيرة، كل نوع منها ثبور، لشدته، أو لأنه يتجدد، كقوله تعالى:{كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ}[النساء ٥٦/ ٤].
{أَذلِكَ} المذكور من الوعيد والعذاب وصفة النار. والاستفهام والتفضيل والترديد في قوله:{أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ} للتقريع مع التهكم. وإضافة الجنة إلى الخلد للمدح، أو الدلالة على خلودها، وتمييزها عن جنات الدنيا. {وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} وعدها المتقون وهم الذين يتقون الكفر والتكذيب {كانَتْ لَهُمْ} في علم الله أو في اللوح المحفوظ. {جَزاءً} ثوابا على أعمالهم بوعد جازم من الله. {وَمَصِيراً} مرجعا ينقلبون إليه. {ما يَشاؤُنَ} ما يشاءونه من النعيم، وفيه تنبيه على ان كل المرادات والرغبات لا تحصل إلا في الجنة. {وَعْداً مَسْؤُلاً} أي كان ذلك موعودا، حقيقا بأن يسأل ويطلب، ويسأله الذين وعدوا به، كما قال تعالى:{رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ}[آل عمران ١٩٤/ ٣] أو تسأله الملائكة لهم، كما قال سبحانه:{رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ}[غافر ٨/ ٤٠].