للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَيا قَوْمِ، ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ.}. أي إلى الإيمان بالله الذي يؤدي إلى النجاة، وقد كرر نداءهم إيقاظا لهم من الغفلة، واهتماما بهم، ومبالغة في توبيخهم على ما يقابلون به نصحه من إدبار وإعراض. {وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ} إلى الكفر وعبادة الأوثان الموجبة لدخول النار.

{وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أشرك بما لا وجود له، ولم يقم على ربوبيته دليل ولا برهان.

وفيه إيماء بأن الألوهية لا بدّ لها من برهان واعتقاد بيقين.

{لا جَرَمَ} أي حق، وفاعله: {أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.}. لأعبده {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} ليس له إجابة دعوة لمن يدعو إليه، والمعنى: حقّ عدم استحقاق آلهتكم العبادة، لأنها جمادات، ولأنّها ليس لها دعوة مستجابة. {مَرَدَّنا إِلَى اللهِ} مرجعنا بالموت إلى لقاء الله. {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} المتجاوزين الحدّ، الذين يغلب شرهم على خيرهم، الواقعين في الضلالة والطغيان، كالإشراك والكفر وسفك الدماء. {هُمْ أَصْحابُ النّارِ} ملازموها.

{فَسَتَذْكُرُونَ} تتذكرون عند معاينة العذاب. {ما أَقُولُ لَكُمْ} من النصيحة. {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ} ليعصمني من كل سوء. {إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ} فيحرسهم. وكان هذا جواب توعدهم المفهوم من قوله تعالى: {فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا} حماه الله وحفظه من شدائد مكرهم الذي مكروا به من القتل. {وَحاقَ} نزل. {بِآلِ فِرْعَوْنَ} بفرعون وقومه. {سُوءُ الْعَذابِ} بالغرق في الدنيا والموت، والنار في الآخرة.

{النّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها} مثل يصلونها، أي يحرقون بها، فإن عرضهم على النار: إحراقهم بها، مأخوذ من قولهم: عرض الحاكم الأسارى على السيف: إذا قتلهم به. {غُدُوًّا وَعَشِيًّا} صباحا ومساء، وذكر هذين الوقتين يفيد التأبيد والدوام ما دامت الدنيا، فإذا قامت القيامة قيل لهم:

{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ} عذاب جهنم، فإنه أشدّ مما كانوا فيه، أو أشدّ عذاب جهنم.

والمعنى: أن أرواح الكفار وهم في القبور تعرض على النار صباح مساء، أي تحرق بها، مما يدلّ على بقاء النفس، وثبوت عذاب القبر، كما روى ابن مسعود رضي الله عنه: «أن أرواحهم في أجواف طير سود، تعرض على النار، بكرة وعشيا إلى يوم القيامة» وقد يراد بهذين الوقتين التخصيص، فيعذبون بالنار فيهما، وفيما بين ذلك الله أعلم بحالهم: فإما أن يعذبوا بجنس آخر من العذاب، أو ينفّس عنهم.

المناسبة:

هذا بقية كلام مؤمن آل فرعون، فإنه أعاد عليهم النصح مرة أخرى حينما رآهم يتمادون في كفرهم وبغيهم، ونادى قومه ثلاث مرات، في المرة الأولى دعاهم

<<  <  ج: ص:  >  >>