{يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} يطلبون منه صراحة أو بلسان الحال كل ما يحتاجون إليه من الحدوث والبقاء للذوات، والسعادة والرزق في الأحوال. {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} كل وقت هو في أمر من الأمور، يحدث أشخاصا، ويجدّد أحوالا على ما سبق به قضاؤه في الأزل، من إحياء وإماتة، وإعزاز وإذلال، وإغناء وإعدام، وإجابة داع وإعطاء سائل، وغير ذلك.
المناسبة:
بعد تعداد النعم الدينية والدنيوية والأخروية، والاستدلال على قدرة الله وتوحيده في الأنفس والآفاق، نعى الحق سبحانه وتعالى الكون بأجمعه، وأخبر بأن جميع النعم الدنيوية والكائنات فانية، ولا يبقى إلا ذات الله تعالى.
التفسير والبيان:
{كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ} أي جميع من على الأرض من الناس والحيوانات، وكذلك أهل السموات إلا من شاء الله، سيفنون ويموتون، وتنتهي حياتهم جميعا، ولا يبقى إلا ذات الله سبحانه ذو العظمة والكبرياء، والإفضال والإكرام الذي يكرم به المخلصين من عباده، وهذه الصفة (صفة الجلال والإكرام) من عظيم صفات الله، وأعظم النعمة مجيء وقت الجزاء عقب ذلك،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي عن أنس:«ألظّوا بيا ذا الجلال والإكرام» أي الزموا ذلك في الدعاء، ومرّ صلى الله عليه وسلم برجل، وهو يصلي ويقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال:«قد استجيب لك».
وفي الدعاء المأثور: يا حيّ يا قيّوم، يا بديع السموات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت، برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك.
ونظير الآية:{كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ، لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[القصص ٨٨/ ٢٨] قال ابن كثير: وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية