تضمنت هذه الآيات أحوال ثلاث فئات من الناس، بعد بيان حال فئة هم الضلاّل الجهال المقلدون في قوله تعالى:{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ}.
أما الفئة الأولى هنا فهم الدعاة إلى الضلال رؤساء الكفر والبدع، فقال تعالى:{وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ} أي وبعض الناس من يجادل في توحيد الله وأفعاله وصفاته، بلا عقل صحيح، ولا نقل صريح، بل بمجرد الرأي والهوى.
{ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} أي أنه يجادل وهو مستكبر عن الحق وقبوله إذا دعي إليه، كما قال تعالى حكاية عن قول لقمان لابنه:{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ}[لقمان ١٨/ ٣١] أي تميله عنهم استكبارا عليهم، وهدفه أو عاقبته صدّ الناس المؤمنين عن دين الله الذي فيه خيرهم. واللام في قوله:{لِيُضِلَّ} إما لام العاقبة؛ لأنه لا يقصد ذلك، أي ليصير مآله ممن يضل عن سبيل الله، وإما لام التعليل، قال الزمخشري: تعليل للمجادلة، ولما أدّى جداله إلى الضلال، جعل كأنه غرضه.
ثم ذكر تعالى عقابه، فقال:
{لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ، وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ} أي أن عقابه في الدنيا هو الخزي أي الهوان والذل، وقد قتل يوم بدر، وعقابه في الآخرة الزجّ به في عذاب النار المحرقة أو الإحراق في النار.
{ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} أي والسبب فيما مني به من خزي الدنيا وعذاب الآخرة هو ما قدّم من الكفر والمعاصي، وقد فعل