بعد بيان العظة والعبرة في قصتي إبراهيم ولوط عليهما السلام، من أجل الإيمان بقدرة الله، عطف تعالى على ذلك قصص أقوام آخرين، عذبوا على تكذيب الرسل بعذاب الاستئصال، وهم فرعون موسى وأتباعه، وعاد وثمود، وقوم نوح، وقد تبين في تعذيبهم نهاية الطغاة والمكذبين والكفار الظالمين، ليثوب الناس إلى رشدهم، ويؤمنوا بالله وبالبعث، ويكفّوا عن تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم والكفر برسالته.
{ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} أي وتركنا في قصة موسى عليه السلام آية وعبرة، حين أرسلناه إلى الطاغية فرعون الجبار بشيرا ونذيرا بحجة ظاهرة واضحة هي المعجزات كالعصا واليد وما معها من الآيات.
فأعرض استكبارا وعنادا ونأى عن آياتنا بجانبه، واعتز بجنده وجموعه وقوته، وقال محقرا شأن موسى: هو إما ساحر أو مجنون، إذ لم يستطع تفسير ما رآه من الخوارق، إلا بنسبته إلى السحر أو الجنون، كما في آية أخرى:{إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ}[الشعراء ٣٤/ ٢٦] وآية: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ}[الشعراء ٢٧/ ٢٦].
{فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ، فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ، وَهُوَ مُلِيمٌ} أي فأخذناه مع جنوده أخذ عزيز مقتدر، فألقيناهم في البحر، وفرعون آت بما يلام عليه من الكفر والطغيان وادعاء الربوبية والعناد والفجور.
وهذا دليل آخر على عظمة القدرة الإلهية على إذلال الجبابرة، جزاء عتوهم واستكبارهم في الأرض بغير الحق.