ما منحه تعالى من الدليل على نبوته الباقي بقاء الدهر، وهو القرآن الذي عجز العالم عن الإتيان بمثله، مع اشتماله على أصح القواعد، وأقوم الحكم والأحكام والآداب المفيدة للدنيا والآخرة، بل إن فصحاء اللسان الذي نزل به، وبلغاءهم عجزوا عن الإتيان بسورة واحدة مثله، ولو تعاون الثقلان عليه. ويحتمل اندراج الملائكة تحت لفظ (الجن) لأنه قد يطلق عليهم هذا الاسم، كما في قوله تعالى:{وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً}[الصافات ١٥٨/ ٣٧] وإن كان الأكثر استعماله في غير الملائكة من الأشكال الجنية المستترين عن أبصار الإنس.
التفسير والبيان:
بعد أن ذكر الله تعالى أنه ما آتى الناس من العلم إلا قليلا، أبان أنه لو شاء أن يأخذ منهم هذا القليل لفعل، فقال:
{وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ} أي ولو شاء ربك لذهب بهذا القليل، وسلب هذا القرآن الذي أوحينا به إليك يا محمد من الصدور والمصاحف، ولم نترك له أثرا، فهو تعالى قادر على أن يمحو حفظه من القلوب، وكتابته من الكتب.
{ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً} أي ثم لا تجد بعدئذ من تتوكل عليه وتستنصر به في رد شيء منه وإعادته محفوظا.
أخرج الحاكم والبيهقي والطبراني وسعيد بن منصور عن ابن مسعود قال:
«إن هذا القرآن الذي بين أظهركم يوشك أن ينزع منكم، قيل: كيف ينزع منا، وقد أثبته الله في قلوبنا، وثبتناه في مصاحفنا؟! قال: يسرى عليه في ليلة واحدة، فينزع ما في القلوب، ويذهب ما في المصاحف، ويصبح الناس منه فقراء» ثم قرأ: {وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ}.
{إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} أي إلا أن يرحمك ربك فيرده عليك، ويجوز أن