{فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ} أي فلما أبى الفاعلون قبول النصيحة، أنجينا الناهين عن السوء وهم فريق الواعظين وفريق اللائمين، إلا أن الفريق الأول كانوا أحزم وأقوى؛ لأنهم أنكروا بالقول والفعل، لذا صرح القرآن بنجاة الناهين، والفريق الثاني أنكر بالقلب فقط، لذا سكت القرآن عن الساكتين، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا، ولا ارتكبوا ذنبا، فيذموا.
وعذبنا الظالمين الذين ارتكبوا المعصية بعذاب شديد.
وذلك العذاب أنهم لما عتوا أي تمردوا وتكبروا عن ترك ما نهوا عنه، وأبوا سماع نصيحة الواعظين، جعلهم الله قردة صاغرين أذلاء منبوذين مبعدين عن الناس. هذا عذاب الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
والظاهر وهو رأي الجمهور أنهم مسخوا قردة على الحقيقة؛ لمخالفتهم الأوامر وتماديهم في العصيان، لا لمجرد اصطياد الحيتان. وهل هذه القردة من نسلهم أو هلكوا وانقطع نسلهم؟ لا دلالة في الآية عليه.
وقال مجاهد: أصبحوا كالقردة في سوء الطباع والطيش والشر والإفساد، بسبب جناياتهم.
والراجح رأي العلماء الذين قالوا: إن الساكتين كانوا من الناجين؛ لرجوع ابن عباس إلى رأي عكرمة في نجاة الساكتين، وقد رجح ابن كثير هذا الاتجاه، قائلا: وهذا أولى من القول بأنهم من الهالكين؛ لأنه تبين حالهم بعد ذلك.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات في هذه القصة على ما يأتي:
١ - الإخبار بالقصة علامة لصدق النبي صلّى الله عليه وآله وسلم؛ إذ أطلعه الله على تلك الأمور من غير تعلم. وكانوا يقولون:{نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبّاؤُهُ}[المائدة ١٨/ ٥]؛ لأنا