لين {وَتَنْحِتُونَ} النحت: النّجر والبري والتسوية {فارِهِينَ} بطرين، من الفره: وهو شدة الفرح، أو حاذقين بنحتها من الفراهة: وهي النشاط، فإن الحاذق يعمل بنشاط وطيب قلب، وقرئ: فرهين، أي بطرين وهو أبلغ {وَأَطِيعُونِ} فيما أمرتكم به {الْمُسْرِفِينَ} العاصين {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ} بالمعاصي {وَلا يُصْلِحُونَ} بطاعة الله، وأتى به لبيان أن فسادهم فساد خالص ليس معه شيء من الصلاح. {الْمُسَحَّرِينَ} المغلوب على عقولهم بكثرة السحر {مِنَ الصّادِقِينَ} في دعواك الرسالة {شِرْبٌ} نصيب من الماء {عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ} عظم اليوم لعظم ما يحل فيه، وهو أبلغ من تعظيم العذاب {فَعَقَرُوها} رموها بسهم ثم قتلوها، وأسند العقر إلى كلهم؛ لأن عاقرها إنما عقر برضاهم، ولذلك عذبوا جميعا {نادِمِينَ} على عقرها خوفا من حلول العذاب، لا توبة من ذنوبهم، أو عند حلول العذاب، ولذلك لم ينفعهم {فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ} الموعود به، فهلكوا.
{وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} قال البيضاوي: في نفي الإيمان عن أكثرهم في هذا المعرض إيماء بأنه لو آمن أكثرهم أو شطرهم، لما أخذوا بالعذاب، وإن قريشا إنما عصموا من مثله ببركة من آمن منهم.
المناسبة:
لما قص الله على رسوله قصة هود عليه السلام وعاد، أتبعه بقصة صالح عليه السلام وثمود، وقد كانوا عربا مثل عاد، يسكنون مدينة الحجر التي بين وادي القرى والشام أي على طريق المدينة، ومساكنهم معروفة مشهورة، كانت قريش في رحلة الصيف يمرون عليها، وهم ذاهبون إلى الشام، ومرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم بهم حين أراد غزو الشام، فوصل إلى تبوك ليتأهب لذلك. وكانوا بعد عاد وقبل الخليل عليه السلام.
دعاهم نبيهم صالح إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يطيعوه فيما بلّغهم من الرسالة، فأبوا عليه وكذّبوه وخالفوه، فأخذهم عذاب الزلزلة، فزلزلت بهم الأرض، ولم تبق منهم أحدا، كما قال تعالى:{فَأَمّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطّاغِيَةِ}[الحاقة ٥/ ٦٩].