وقوله {إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ.}. يفيد الحصر. وهذا فهم خطأ من المشركين، لأن حكمة الله اقتضت تفاوت الناس في الرزق، فهو يقبض الرزق عمن يشاء، ويبسطه لمن يشاء، {وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ، إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}[الشورى ٢٧/ ٤٢] فقد أغنى قوما، وأفقر آخرين، وأمر الفقراء بالصبر، وأمر الأغنياء بالعطاء والشكر:{فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، وَأَمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى}[الليل ٥/ ٩٢ - ١٠].
وقال ابن جرير عن قوله تعالى:{إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}: ويحتمل أن يكون من قول الله عز وجل للكفار حين ناظروا المؤمنين، وردوا عليهم، فقال لهم:{إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} قال ابن كثير: وفي هذا نظر، والله أعلم.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآيات على أمور ثلاثة هي:
أولا-إن المشركين قوم تمادوا في الغي والضلال والعناد والكبر، ولم يتأملوا في أحداث الماضي، ووقائع الزمان، وأحوال الأمم التي أهلكهم الله بتكذيبهم رسلهم، ولم ينظروا في مستقبل الحياة الآخرة، فتراهم إذا قيل لهم: اتقوا الله، لا يتقون.
ثانيا-وهم أيضا شأنهم وديدنهم الإعراض عن آيات الله، والتكذيب لها، وعدم الانتفاع بها، لتركهم النظر المؤدي إلى الإيمان بالله وتصديق الرسول ص.
ثالثا-كما أنهم أخلّوا بتعظيم الخالق، حرموا العطف والشفقة على الإنسانية، وانعدمت عندهم عاطفة الرحمة بالمخلوقات، إذ قيل لهم: أنفقوا مما رزقكم الله، فبخلوا وتهكموا، وهو شأن البخلاء في كل عصر.