للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاعتل بالسقم {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أي تركوه وذهبوا إلى عيدهم {فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ} ذهب أو مال خفية إلى أصنامهم وعندها الطعام، ومنه يقال: روغان الثعلب أي الميل {فَقالَ: أَلا تَأْكُلُونَ} قال استهزاء وسخرية: ألا تأكلون من الطعام الذي صنعوه لكم؟ فلم ينطقوا.

{ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} لا تجيبوني، وقد علم أنها جمادات لا تنطق {فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ} مال عليهم يضربهم بقوة وشدة، فكسرهم {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي أقبل إليه عبدة تلك الأصنام يسرعون المشي، لما علموا بما صنعه بها، فقالوا: نحن نعبدها وأنت تكسرها؟ {قالَ:}

{أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ} أي قال لهم موبخا: أتعبدون أصناما أنتم تنحتونها؟ {وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} أي خلقكم وخلق الذي تصنعونه، فاعبدوه وحده.

{قالُوا: اِبْنُوا لَهُ بُنْياناً، فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} أي تشاوروا فيما بينهم أن يبنوا له بنيانا من حجارة، ويملأوه حطبا، ويضرموه، ثم يلقوه فيه. والجحيم: النار الشديدة {فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً} بإلقائه في النار لتهلكه {فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ} المقهورين، فصارت النار بعد إلقائه عليها بردا وسلاما، ولم تؤثر فيه.

{ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ} مهاجر من بلد قومي دار الكفر إلى حيث أمرني بالمهاجرة إليه وهو الشام، أو إلى حيث أتمكن من عبادته {هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ} أي ولدا صالحا يعينني على طاعتك، ويؤنسني في الغربة {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} أي بصبي ذكر يكبر ويصير حليما، أي ذا حلم كثير.

المناسبة:

هذه قصة ثانية تبين مدى الصلة الوثيقة والارتباط‍ العميق بين الأنبياء في رسالاتهم، افتتحت بأن إبراهيم عليه السلام من شيعة نوح، أي من أهل بيته وعلى دينه ومنهاجه، فهما مصدر الخير والسعادة للناس، فكانت قصة إبراهيم أبي الأنبياء بعد قصة نوح أبي البشر الثاني عليهما السلام، والأول نجاه الله من الغرق، والثاني نجاه الله من النار.

التفسير والبيان:

{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ} أي وإن إبراهيم عليه السلام ممن سار على دين نوح عليه السلام ومنهجه وسلك طريقه في الدعوة إلى توحيد الله والإيمان به

<<  <  ج: ص:  >  >>