{تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} تردد نظرك مرة بعد مرة في جهة السماء، طلبا للوحي، وتشوقا للأمر باستقبال الكعبة، وكان يودّ ذلك، لأنها قبلة أبيه إبراهيم عليه السّلام، ولأنها أدعى إلى إسلام العرب، ولأن اليهود كانوا يقولون: يخالفنا محمد ويتبع قبلتنا. {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ} فلنوجهنك جهتها، وهذا يدل على أن في الجملة السابقة حالا محذوفة، التقدير: قد نرى تقلب وجهك في السماء طالبا قبلة غير التي أنت مستقبلها. {فَوَلِّ وَجْهَكَ} تولية الوجه المكان: جعله قبالته وأمامه، والمراد بالوجه: جملة البدن، أي استقبل بوجهك في الصلاة نحو الكعبة. {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} وجهته أو ناحيته، وسميت الكعبة بالمسجد الحرام إشارة إلى أن الواجب على البعيد مراعاة الجهة، دون عين الكعبة: لأن استقبال عين القبلة فيه حرج عظيم على البعيد، كما قال الزمخشري.
{بِكُلِّ آيَةٍ} أي بكل برهان وحجة. {أَهْواءَهُمْ} التي يدعونك إليها، مفرده: هوى، وهو الإرادة والمحبة. {الْمُمْتَرِينَ} الشاكين.
تاريخ النزول:
اختلف العلماء في تاريخ نزول هذه الآيات:
فقال ابن عباس والطبري: هذه الآية متقدمة في النزول على قوله تعالى:
{سَيَقُولُ السُّفَهاءُ}(١)، ويؤيده ما
رواه البخاري عن البراء بن عازب في الحديث المتقدم، قال: قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، فصلّى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى:{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ}. فقال السّفهاء من الناس، وهم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال تعالى:
{قُلْ: لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ}.
وقال الزمخشري: إن هذه الآية متأخرة في النزول والتلاوة عن قوله تعالى:
{سَيَقُولُ السُّفَهاءُ} ويكون ذلك للإخبار بمغيّب قبل وقوعه، يحدث من