خرجتم لتمنعوا عيركم، فقد نجاها الله فارجعوا، فقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدرا-وكان موسما من مواسم العرب يجتمع لهم بها سوق كل عام-فنقيم ثلاثا، فننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدا، فوافوها فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان.
فنهى الله عباده المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأمرهم بإخلاص النية، والحسبة في نصر دينه، ومؤازرة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلم.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى أنواع نعمه على رسوله وعلى المؤمنين يوم بدر، علّمهم إذا التقوا بفئة (أي جماعة) من المحاربين نوعين من الأدب هما: الثبات أمام العدو في اللقاء، وذكر الله كثيرا، ثم أمرهم بالتحلي بالطاعة والانقياد، أي طاعة الله والرسول، ونهاهم عن التنازع والاختلاف حتى لا يفشلوا (يجبنوا) وتذهب قوتهم ودولتهم.
التفسير والبيان:
هذه الآيات تعليم من الله لعباده المؤمنين آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة الأعداء، وهي قواعد ضرورية في الحروب، وأسس للجندية الحقة الحازمة.
وأول هذه الآداب والقواعد:
الثبات أمام العدو حين اللقاء معه، بتوطين النفوس على الصمود والصبر على المبارزة؛ وعدم التحدث بالتولي والفرار، ونظرا لأن هذا العنصر أهم عناصر المواجهة الحربية، فقد بدأ الله به، فقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً