للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك المثل الغريب هو مثل هؤلاء القوم الذين كذبوا بآيات الله، واستكبروا عنها، ولم تنفعهم الموعظة، وهم اليهود بعد ما قرءوا نعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في التوراة، وبشروا الناس باقتراب مبعثه، وكانوا يستنصرون أو يستفتحون به، وجاء القرآن المعجز كاشفا هذه الحقيقة التي أنكرها اليهود بعد بعثة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.

فاقصص أيها الرسول قصص ذلك الرجل الذي تشبه حاله حال المكذبين بآياتنا، لعل بني إسرائيل العالمين بحال بلعم وما جرى له في إضلال الله إياه وإبعاده من رحمته، بسبب استعماله نعمة الله في تعليمه الاسم الأعظم-الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب-في غير طاعة ربه، بل دعا به على حزب الرحمن، لعلهم يتفكرون فيحذروا أن يكونوا مثله، فإن الله أعلمهم بصفة محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، فهم أحق الناس وأولاهم باتباعه ومناصرته ومؤازرته.

ساء مثلا مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله، أي قبحت أشد القبح صفة المعرضين عن النظر في آيات الله أن شبهوا بالكلاب التي لا هم لها إلا تحصيل أكلة أو شهوة، وهم بهذا الإعراض كانوا ظالمين لأنفسهم بالتكذيب، فما ظلمهم الله، ولكن هم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن اتباع الهدى، وطاعة المولى.

وقد ذكر سوء هذا المثل في السنة، فقد ثبت

في الصحيح وفي الكتب الستة عن ابن عباس أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم قال: «ليس لنا مثل السوء، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه».

فقه الحياة أو الأحكام:

الهدف من هذه القصة ضرب مثل لجميع الكفار، المعرضين عن الإيمان بالله والرسول بعد ما عرفوا الحق، فمن آتاه الله العلم والدين، فمال إلى الدنيا، و {أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ}، كان مشبّها بأخس الحيوانات، وهو الكلب اللاهث، حيث واظب على العمل الخسيس والفعل القبيح، لا لحاجة أو ضرورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>