للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو عالم من علماء بني إسرائيل، وقيل: من الكنعانيين، وروي عن ابن عباس أنه رجل من اليمن، اسمه بلعم بن باعوراء، أوتي علم بعض كتب الله، فانسلخ منها، وكفر بآيات الله، ونبذها وراء ظهره.

وذلك أن موسى عليه السلام قصد بلده الذي هو فيه، وغزا أهله وكانوا كفارا، فطلبوا منه أن يدعو على موسى عليه السلام وقومه، وكان مجاب الدعوة، وعنده اسم الله الأعظم، فامتنع منه، فما زالوا يطلبونه منه، حتى دعا عليه، فاستجيب له، ووقع موسى وبنو إسرائيل في التيه بدعائه (١). وقال مالك بن دينار: كان من علماء بني إسرائيل، وكان مجاب الدعوة، يقدمونه في الشدائد، بعثه نبي الله موسى عليه السلام إلى ملك مدين، يدعوه إلى الله، فأقطعه وأعطاه، فتبع دينه، وترك دين موسى عليه السلام (٢).

{وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ} بالآيات، وجعلنا له منزلة عظيمة من منازل العلماء الأبرار، بأن نوفقه للهداية والعمل بالآيات.

ولكنه ركن إلى الدنيا ومال إليها ورغب فيها واهتم بلذائذها، واتبع هواه، فلم يوجه همّه إلى نعيم الآخرة، ولم يهتد بآياتنا، ولم ترق نفسه إلى سلّم الكمال الروحي، ولم يحترم نعمة الله عليه باستعمالها في مرضاته.

وأصبح مثله أو صفته في الذلة والحقارة، والخسة والدناءة كمثل الكلب أو صفته في أخس أحوالها وأذلها، وهي حال دوام اللهث به، سواء حمل عليه أي شد عليه وطرد، أو ترك دون طرد.

وهذه الصفة هي أقبح حالات الكلب وأخسها، وقد شبّه بها حال عجيبة غريبة، هي حال ذلك الذي تجرد من معرفة آيات الله تعالى.


(١) تفسير الرازي: ٥٤/ ١٥.
(٢) تفسير ابن كثير: ٢٦٤/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>