ملك السموات والأرض له، دون عيسى ودون سائر المخلوقات، وأن كل ما فيهما ملك لله، وأن الله قادر قدرة مطلقة على كل شيء، والمملوك المقدور عليه من الله هو عبد لله، كائن بخلق الله وتكوينه، سواء عيسى ومريم وغيرهما، ولا معنى للعبودية إلا ذلك، فثبت بهذا أنهما عبدان مخلوقان لله؛ لأن الملك والقدرة لله وحده لا شريك له.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه الآيات الصادرة بصورة سؤال وجواب تعليم وإرشاد، وتوبيخ وتقريع للنصارى الذين اتخذوا عيسى إلها، وادعوا لأمه شيئا من القدسية والألوهية لأنها ولدت عيسى فهو بعض منها. فأول من يتبرأ من هذه الدعوى هو عيسى عليه السّلام نفسه؛ فهو لا يدعي لنفسه ما ليس من حقها، بمعنى أنه مربوب وليس برب، وعابد بشر وليس بمعبود إله.
ولو ادعى لنفسه وأمه الألوهية، لكان الله أعلم بذلك:{تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ} المعنى تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، أو تعلم ما أعلم ولا أعلم ما تعلم، أي تعلم سرّي وما انطوى عليه ضميري الذي خلقته، ولا أعلم شيئا مما استأثرت به من غيبك وعلمك.
ولم يقل إلا ما أمره الله به من عبادة الله وحده، والله هو صاحب المشيئة المطلقة والإرادة الكاملة في إثابة من شاء، وتعذيب من شاء.
وفي يوم القيامة لا ينتفع الناس إلا بصدقهم في الدنيا، بالعمل المخلص لله، وتركهم الكذب عليه وعلى رسله، وإنما ينفعهم الصدق في ذلك اليوم، وإن كان نافعا في كل الأيام؛ لوقوع الجزاء فيه.
وثواب الصادقين هو الخلود في جنات النعيم التي تجري من تحت غرفها وأشجارها الأنهار.