والوعيد على الكنز لا يقتصر عليهم في الحقيقة، وإنما يشمل المسلمين أيضا، فبعد أن وصفهم الله تعالى بالحرص على أخذ أموال الناس بالباطل، أردفه بوعيد كل من امتنع عن إخراج الحقوق الواجبة من ماله.
التفسير والبيان:
هذه الآيات بيان لسيرة الأحبار (علماء اليهود) والرهبان (عبّاد النصارى) وكشف لقبائحهم، حتى يعرف أهل الكتاب حقيقتهم، ويتبينوا خطأهم في الاقتداء بهم والثقة فيهم، وليعلم المسلمون سبب عنادهم وبقائهم على كفرهم، ويكون الهدف من الآيات التحذير من التشبه بهم في أقوالهم وأحوالهم.
يا أيها المؤمنون بالله ورسوله، اعلموا {إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ} ليأخذون أموال الناس بالباطل، لا بحق شرعي، ونسب ذلك لكثير منهم لا لكلهم إحقاقا للحق، وإنصافا للقلة الصالحة منهم.
وأمثلة أخذهم الأموال بالباطل كثيرة منها: قبول الرشاوى في الأحكام القضائية، وأخذ الربا وهو محرم عليهم، وأخذ الهدايا والنذور والأوقاف المخصصة لقبور الأنبياء والصالحين، وأخذ الأرثوذكس والكاثوليك مقابل صكوك الغفران التي شاعت في القرون الوسطى، أو في مقابل الدعاء والشفاعة للمخطئين عند الله. وبيع الفتاوى بالمال لتحليل الحرام وتحريم الحلال، بقصد إرضاء الملوك والأمراء والحكام، كما قال تعالى في حق اليهود:{قُلْ: مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنّاسِ، تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ، تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً، وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قُلِ: اللهُ}[الأنعام ٩١/ ٦].
ومنها: استباحة اليهود أخذ أموال كل من عداهم ولو بالخيانة أو السرقة، كما قال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً، ذلِكَ} بأنهم {قالُوا: لَيْسَ عَلَيْنا