تعالى أن الرسول صلّى الله عليه وسلم ضاق صدره واشتكاهم إلى ربه بأن قومه هجروا القرآن.
التفسير والبيان:
{وَقالَ الرَّسُولُ: يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} أي شكى الرسول إلى ربه سوء أفعال المشركين وأقوالهم الساقطة قائلا: يا ربّ، إن قومي قريشا تركوا الإصغاء لهذا القرآن، ولم يؤمنوا به، وأعرضوا عن استماعه واتباعه، فكانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه، كما حكى تعالى عنهم:{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ، لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}[فصلت ٢٦/ ٤١] فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعونه، فهذا من هجرانه، وكذلك ترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو من هجرانه، كما قال ابن كثير (١).
{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} هذه تسلية لرسول الله صلّى الله عليه وسلم على ما يلقى من قومه من الأذى والصدود والإعراض، أي لا تحزن يا محمد، فتلك سنة الله في خلقه، فكما جعلنا لك أعداء من المشركين يتقولون عليك الأباطيل، ويهجرون القرآن، جعلنا لكل نبي من أنبياء الأمم الماضين أعداء من المشركين الظالمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى:{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام ١١٢/ ٦] فاصبر كما صبروا، وامض في تبليغ رسالتك. قال ابن عباس: كان عدو النبي صلّى الله عليه وسلم أبا جهل، وعدو موسى قارون، وكان قارون ابن عم موسى.
لكن النصر والغلبة للرسول صلّى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: