ببلوغ أربعين سنة. {آتَيْناهُ حُكْماً} حكمة أي معرفة أسرار الشريعة. {وَعِلْماً} فقها في الدين.
{وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي كما جزيناه نجزي المحسنين لأنفسهم.
التفسير والبيان:
بعد بيان منة الله على بني إسرائيل بإنقاذهم من بأس فرعون في قوله تعالى:
{وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} ابتدأ تعالى بذكر أوائل نعمه عليهم فقال: {وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} أي وألهمنا أم موسى إرضاعه ما أمكنها إخفاؤه عن العدو، فأرضعته ثلاثة أو أربعة أشهر كما يقال.
{فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ، فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ، وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي} أي فإذا خفت عليه من القتل بسبب سماع أحد من الجيران صوته، فألقيه في بحر النيل، ولكن لا تخافي عليه حينئذ من الغرق ومن الضياع ومن الوقوع في يد بعض جواسيس فرعون الذين يبحثون عن الولدان، وغير ذلك من المخاوف، ولا تحزني لفراقه.
وهكذا طمأنها الحق تعالى عن مخاوفها وهواجسها الجديدة بعد إلقائه في البحر، بإلقاء الأمان والسكينة في قلبها؛ لأن عناية الله ورعايته تحوط بأنبيائه ورسله منذ بدء الحمل وفي عهد الطفولة.
وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل، فاتخذت تابوتا، ومهدت فيه مهدا، فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه، فذهبت فوضعته في ذلك التابوت، وألقته في النيل، فذهب مع الماء واحتمله على سطحه، حتى مرّ به على دار فرعون، فالتقطه الجواري وذهبن به إلى امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، فلما كشفت عنه، أوقع الله محبته في قلبها، فآثرت الإبقاء عليه، ولم تزل تكلم فرعون حتى تركه لها.
{إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي إنا سنرده عليك لتكوني أنت المرضعة له، وسنجعله نبيا مرسلا إلى أهل مصر والشام.