وقد جمعت هذه الآية الواحدة بين أمرين ونهيين، وخبرين وبشارتين والأمران: هما أرضعيه وألقيه، والنهيان: هما {وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي}، والخبران: هما {إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ}، والبشارتان: في ضمن الخبرين، وهما الرد والجعل من المرسلين.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} أي فأخذه أهل فرعون، لتكون عاقبة أمره أن يكون عدوا لهم بمجاهدته بمخالفة دينهم، وموقعا لهم في الحزن بإغراقهم وزوال ملكهم.
ولام {لِيَكُونَ} لام العاقبة، وليست لام التعليل؛ لأنهم لم يريدوا قطعا بالتقاطه ذلك، ولكن الله جعل دمارهم بما صنعت أيديهم، فالتقطوه وربوه، ليكون في نهاية أمره سببا لمأساتهم وتحقق ما توقعوه من زوال ملكهم. قال الرازي: واعلم أن التحقيق ما ذكره صاحب الكشاف وهو أن هذه اللام هي لام التعليل، على سبيل المجاز دون الحقيقة؛ لأن مقصود الشيء وغرضه يؤول إليه أمره، فاستعملوا هذه اللام فيما يؤول إليه الشيء على سبيل التشبيه، فإن اتخاذه عدوا لم يكن سبب التقاطهم له، ولكن شبهت المحبة والتبني بالسبب الذي يؤدي إلى الفعل، ويفعل الفعل لأجله، كاستعارة الأسد للرجل الشجاع.
وسبب ذلك على يد موسى عليه السلام هو ما قاله تعالى:
{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ} أي إن هؤلاء كانوا مذنبين مجرمين، فعاقبهم الله بأن ربّى عدوهم ومن هو سبب هلاكهم على أيديهم، فهو من الخطيئة أي الإثم، ويصح أن يكون من الخطأ فإنهم كانوا مخطئين في كل شيء، فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم. قال الحسن البصري: معنى {كانُوا خاطِئِينَ} ليس من الخطيئة، بل المعنى: وهم لا يشعرون أنه الذي يذهب بملكهم.