من تهامة، فنسبوا إليها {أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً} من أهل المدن، لجفائهم وغلظ طباعهم، وبعدهم عن سماع القرآن {وَأَجْدَرُ} أحق وأولى {أَلاّ يَعْلَمُوا} بأن لا يعلموا {حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ} من الأحكام والشرائع {عَلِيمٌ} بخلقه {حَكِيمٌ} في صنعه بهم.
{مَغْرَماً} غرامة وخسرانا لازما؛ لأنه لا يرجو ثوابه، بل ينفقه خوفا، وهم أسد وغطفان {وَيَتَرَبَّصُ} ينتظر {بِكُمُ الدَّوائِرَ} دوائر الزمان ذات الضرر والسوء أن تنقلب عليكم فيتخلص من الإنفاق {عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ} اعتراض بالدعاء عليهم بنحو ما يتربصونه، أو الإخبار عن وقوع ما يتربصون عليهم، أي يدور العذاب والهلاك عليهم، لا عليكم، والسوء: اسم لما يسوء ويضر {وَاللهُ سَمِيعٌ} لأقوال الناس ولما يقولون عند الإنفاق {عَلِيمٌ} بأفعالهم وبما يضمرون.
{وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ} كجهينة ومزينة {قُرُباتٍ} جمع قربة: وهي ما يتقرب به إلى الله تعالى، ويقصد بها هنا اتخاذ المنزلة والمكانة عند الله {وَصَلَواتِ الرَّسُولِ} جمع صلاة ويراد بها هنا دعاؤه واستغفاره، فالصلاة من الله تعالى: الرحمة والخير والبركة، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ}[الأحزاب ٤٣/ ٣٣] والصلاة من الملائكة: الدعاء، وكذا هي من النبي صلى الله عليه وسلّم؛ كما قال تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}[التوبة ١٠٣/ ٩] أي دعاؤك تثبيت لهم وطمأنينة {أَلا} استئناف بحرف التنبيه {إِنَّها} أي نفقتهم {قُرْبَةٌ لَهُمْ} أي تقرّبهم من رحمة الله {سَيُدْخِلُهُمُ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ} جنته {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ} لأهل طاعته {رَحِيمٌ} بهم.
سبب النزول:
نزول الآية (٩٧):
{الْأَعْرابِ.}. قال الواحدي: نزلت في أعاريب من أسد وغطفان، ومن أعاريب حاضري المدينة.
نزول الآية (٩٩):
{وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ.}. أخرج ابن جرير الطبري عن مجاهد أنها نزلت في بني مقرّن الذين نزلت فيهم:{وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ}. [التوبة ٩٢/ ٩] وأخرج عن عبد الرحمن بن معقل المزني قال: كنا عشرة ولد مقرّن، فنزلت فينا هذه الآية.