علّم الله تعالى إبراهيم عليه السلام كل أنواع الحجج العقلية التي يفحم بها قومه، ويبطل شبهاتهم ومزاعمهم بدليل قوله تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ}.
منها أنهم خوفوه بالأصنام، فكان الرد عليهم بقوله: لا خوف منها أصلا؛ لأن الخوف إنما يحصل ممن يقدر على النفع والضر، والأصنام جمادات لا تقدر على شيء من نفع أو ضر.
وأما ما قد يصاب به الإنسان من المصائب، فإما أن يكون بسبب ذنب، فيعاقب عليه، وإما أن يكون ابتلاء واختبارا بمحن الدنيا، فيعرف الصبر عليها ومدى تماسك الإيمان وقت الشدة، وإما أن يكون تسليطا لبعض الظلمة على غيرهم، حتى يكون ظلمهم سببا لإهلاكهم.
أما قيام الأنبياء بواجباتهم في الدعوة لإثبات التوحيد وإبطال الشرك فلا يكون سببا لاستحقاق العقاب وإنزال العذاب، خلافا لما يتوهم المشركون عبدة الأوثان؛ فإن الوثنية كلها نابعة من الوهم والخرفة.
والمحاجة والجدال محمود كل منهما إذا كانا بقصد تقرير الدين الحق، وهما مذمومان إذا كانا لتقرير الدين الباطل.
وإذا كان الشرك بالله مصدر المخاوف والأوهام، فلا غرابة في أن المشركين يعيشون دائما في قلق واضطراب وخوف من مغيبات القدر والمستقبل. أما المؤمنون الموحدون فلهم الأمن المطلق بشرط وجود الوصفين: وهما الإيمان، وهو كمال القوة النظرية، وعدم الإيمان بالظلم، وهو كمال القوة العملية. والمراد من الظلم هنا: هو الشرك؛ لأنه الظلم الأكبر، ولقوله تعالى حكاية عن لقمان،