وبعد أن رغّب الله في الصلح بين الزوجين وحثّ عليه، ذكر في قوله:
{وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ} جواز الفرقة إذا لم يكن منها بدّ، وطيّب الله خاطر كلّ من الزوجين، ووعد كلّ واحد منهما بأنه سيغنيه عن الآخر، إذا كان القصد من الفرقة هو التّخوّف من ترك حقوق الله التي أوجبها، فليحسنا الظنّ بالله، فقد يقيض للرجل امرأة تقرّ بها عينه، وللمرأة من يوسّع عليها.
وروي عن جعفر بن محمد أن رجلا شكا إليه الفقر، فأمره بالنّكاح، فذهب الرجل وتزوّج، ثم جاء إليه وشكا إليه الفقر، فأمره بالطّلاق؛ فسئل عن هذه الآية فقال: أمرته بالنّكاح لعله من أهل هذه الآية: {إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور ٣٢/ ٢٤]، فلما لم يكن من أهل تلك الآية أمرته بالطلاق فقلت: فلعله من أهل هذه الآية: {وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ}(١).
ثم ختم الله الآية بأنه كان وما يزال غنيّا كافيا للخلق، حكيما متقنا في أفعاله وأحكامه. وهذا نصّ صريح على أن الله هو مصدر الرزق والغنى والسعة، وأنه متكفّل بأرزاق العباد، وأن حكمته سامية عالية في كلّ شيء خلقا وإبداعا، وتشريعا وحكما، وتصرّفا وجزاء.