وإرادته، وإنما يكون من أمور الجبلّة البشرية التي لم يكلّفنا الله عزّ وجلّ بشيء منها كالحبّ والكراهية، فهذا غير مستطاع، وهو داخل في تمام العدل وكماله، وهو الذي أخبر تعالى عنه أنه محال، قال أئمة التفسير من السّلف الصالح كابن عباس وقتادة ومجاهد وأبي عبيدة وغيرهم: إن العدل الذي أخبر الله عنه أنه غير مستطاع: هو التّسوية بين الزوجات في الحبّ القلبي وميل الطباع، ومعلوم أن ذلك غير مقدور. فالعدل المقصود في هذه الآية هو العدل في المحبّة القلبية فقط، وإلا لتعارضت الآية مع الآية السابقة:{فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى..} ..
وأما العدل المأمور به الذي جعل شرطا في جواز تعدد الزوجات أو الجمع بينهن فهو التسوية بينهن فيما يقدر عليه المكلف، ويملكه، مثل التسوية بينهن في القسم والنفقة والكسوة والسكنى وما يتبع ذلك من كل ما يملك ويقدر عليه.
ويترتب عليه أنه لا تجب التسوية بين النساء في المحبة، فإنها لا تملك، وكانت عائشة رضي الله عنها كما تقدّم أحبّ نسائه إليه صلّى الله عليه وسلّم. وأخذ منه أنه لا تجب التسوية بينهن في الوط ء؛ لأنه موقوف على المحبة والميل، وهي بيد مقلّب القلوب.
ولكن لا يصح اتّخاذ الميل سببا للظلم، لقوله تعالى:{فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة، بل الزموا التسوية في القسم والنفقة، لأن هذا مما يستطاع.
وينبغي صون كرامة المرأة واحترام شخصيتها وعدم إلجائها إلى الانحراف، لقوله تعالى:{فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ} أي لا هي مطلّقة ولا ذات زوج. وهذا تشبيه بالشيء المعلّق من شيء؛ لأنه لا على الأرض استقرّ، ولا على ما علّق عليه انحمل.