{لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ} مبالغة بنفي الجنس، والمعنى: لا يبشر يومئذ المجرمون، وعدل عنه إلى ذلك للمبالغة.
{هَباءً مَنْثُوراً} تشبيه بليغ، حذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه، أي كالغبار المنثور في الجو في حقارته وعدم نفعه.
المفردات اللغوية:
{لا يَرْجُونَ لِقاءَنا} أي لا يأملون لقاءنا بالخير لكفرهم بالبعث، أو لا يخافون لقاءنا بالشر، أي لا يخافون البعث، على لغة تهامة، أي أن الرجاء في بعض لغات العرب: الخوف، مثل قوله تعالى:{ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلّهِ وَقاراً}. وأصل اللقاء: الوصول إلى الشيء، ومنه الرؤية، فإنه وصول إلى المرئي، والمراد به: الوصول إلى جزائه، أي لقاء جزائنا.
{لَوْلا} هلا {أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ} أي أرسلوا إلينا، فيخبروننا بصدق محمد صلّى الله عليه وسلم {أَوْ نَرى رَبَّنا} فيأمرنا بتصديقه واتباعه {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} أي لقد تكبروا في شأن أنفسهم، حتى أرادوا لها ان تكون أنبياء أو ما هو أعظم من ذلك {وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً} تجاوزوا الحد في الظلم حتى بلغوا أقصى الغاية، بطلبهم رؤية الله تعالى في الدنيا، وكذبوا الرسول الذي جاء بالوحي، ولم يأبهوا بمعجزاته. و {عَتَوْا} بالواو على أصله، بخلاف «عتي» بالإبدال في سورة مريم في قوله:
{وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا}[٨].
{يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ} في جملة الخلائق، وهو يوم القيامة، وهو منصوب بفعل مقدر تقديره: اذكر {لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ} أي الكافرين، والمعنى: يمنعون البشرى، بخلاف المؤمنين، فلهم البشرى بالجنة {وَيَقُولُونَ: حِجْراً مَحْجُوراً} أي ويقول الكفرة حينئذ هذه الكلمة، وهي كلمة تقال عند حصول شدة كلقاء عدو أو حدث خطير، يقصد بها العرب: الاستعاذة من وقوع الخطر، والطلب من الله أن يمنع ذلك الحادث منعا. والحجر لغة: المنع، ومنه الحجر على القاصر أي منعه من التصرف، وسمي العقل حجرا؛ لأنه يمنع صاحبه من بعض الأعمال.
{وَقَدِمْنا} عمدنا وقصدنا إلى ما عملوا في كفرهم في الدنيا من المكارم كقرى الضيف وصلة الرحم، وإغاثة الملهوف، فأحبطناه لعدم الإيمان {فَجَعَلْناهُ هَباءً} هو ما يرى في الهواء أثناء ضوء الشمس الداخل من الكوى أو النوافذ، أي جعلناه كالغبار المفرق في عدم النفع فيه {مُسْتَقَرًّا} أي مكانا يستقرون فيه أكثر الوقت للجلوس والمحادثة، والمعنى: أصحاب الجنة يوم القيامة خير مستقرا من الكافرين في الدنيا {وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} مكانا يؤوي إليه للقيلولة والراحة: وهي الاستراحة نصف النهار في الحر تشبيها بمكان القيلولة في الدنيا؛ إذ لا نوم في الجنة. وأخذ من ذلك انقضاء