{عَبَسَ وَتَوَلّى أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى} أي قطب النبي صلّى الله عليه وسلّم وجهه، وأعرض، لأن جاءه الأعمى وقطع كلامه، وهو عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه، فنزلت.
وعذر ابن أم مكتوم أنه لم يدر بتشاغل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
{وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى}؟ أي وما يعلمك ويعرفك يا محمد لعل الأعمى يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك، أو يتذكر فيتعظ بما تعلمه من المواعظ، فتنفعه الموعظة.
وفي هذا إيماء إلى أن غير الأعمى ممن تصدى لتزكيتهم وتذكيرهم من المشركين لا يرجى منهم الهداية. وفيه تعظيم من الله سبحانه لابن أم مكتوم.
وكان هذا التصرف من النبي صلّى الله عليه وسلّم بمثابة ترك الاحتياط وترك الأفضل، فلم يكن ذلك ذنبا البتة، ولا مصادما لمبدأ عصمة الأنبياء، لصدور الفعل عن أمر تابع للجبلّة الإنسانية كالرضا والغضب والضحك والبكاء، والتي رفع عنها التكليف في شريعة الإسلام.
وبعد هذا الوصف المؤذن بالعتاب جاء العتاب صريحا في قوله تعالى:
١ - {أَمّا مَنِ اسْتَغْنى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدّى} أي أما من استغنى بماله وثروته وقوته عما لديك من معارف القرآن والهداية الإلهية، وعن الإيمان والعلم، فأنت تقبل عليه بوجهك وحديثك، وهو يظهر الاستغناء عنك والإعراض عما جئت به.
{وَما عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكّى} أي لا بأس ولا شيء عليك في ألا يسلم ولا يهتدي، ولا يتطهر من الذنوب، فإنه ليس عليك إلا البلاغ، فلا تهتم بأمر من كان مثل هؤلاء من الكفار.